ينضم للجمعية الوطنية للمتقاعدين كل عام باقة متنوعة من المتقاعدين والمتقاعدات هذه الباقة عبارة عن خبرات متراكمة تشكلت في سنوات مديدة فهي تشتمل على مهن مختلفة من معلمين ومعلمات ومهندسين ومديرين ومديرات وخبراء ومستشارين ومستشارات... الخ مع احترامي لكل المجالات التي لم اذكرها. كل هذه الباقات الرائعة للأسف تؤرشف عند إحالتهم للتقاعد بعد بلوغهم السن القانوني أو حتى المبكر وتترك على الرفوف حتى يتراكم عليها غبار الأيام والليالي ويخف بريقها وتألقها لتصنف تحت بند (مت قاعد). حتى أن الكثير من المتقاعدين والمتقاعدات إلا من رحم ربي قد برمجوا أنفسهم على هذه الثقافة المجتمعية بحيث نجد بعضهم مستعدين نفسياً وجسمياً وبصورة سلبية لهذه المرحلة من حياتهم حتى لو كان تقاعدهم مبكراً فللأسف يحدث تحولاً في سلوكهم نحو الاستسلام للفراغ والأمراض النفسية والجسمية مع مرور الوقت ولديهم قناعة أن دورهم قد انتهى، ولا ينفي ذلك وجود محاولات فردية ناجحة للبعض منهم لبداية حياة جديدة تحقق لهم ما لم يكن ممكنا أثناء ارتباطهم بالوظيفة. لكن في الحقيقة أن أكثر المتقاعدين قد فقدوا البوصلة الصحيحة لحياتهم رغم رغبتهم في العطاء والاستمرار في المشاركة في بناء مجتمعهم وتحسين دخلهم المتجمد. إن المتقاعد ليس المسؤول الوحيد عن حل هذه المشكلة بل هي مسؤولية وطنية واجتماعية ولكل دوره المنوط به. فدور الجمعية الوطنية للمتقاعدين من وجهة نظري هو إعادة البوصلة لمسارها الصحيح ومساعدة المتقاعدين في الانخراط في مجالات العمل التي تناسبهم من جديد، وألا يقتصر دورها على بعض البرامج التثقيفية والبرامج الترفيهية التي تكون عادة على حساب المتقاعدين، بل يفضل أن تكون وسيطاً نشطاً بين المتقاعدين والشركات والمؤسسات ومصدر دعم وارشاد لإنشاء مشروعاتهم الخاصة، ونشر ثقافة الاستفادة من خبرات المتقاعدين وإبراز دورهم في المشاركة المجتمعية، وربما يكون ذلك عن طريق لجان استشارية من المتقاعدين المتخصصين في ذلك مدعومين من القطاع الخاص الذي عليه مسؤولية مجتمعية تجاه أبناء وطنه فمن المفترض على القطاع الخاص تخصيص وظائف للمتقاعدين تناسب مؤهلاتهم وتقديم تسهيلات وبرامج داعمة لهم, فالمتقاعدون شريحة ضخمة من أبناء الوطن وبناته لا يمكن تهميشهم أو إخراجهم من عجلة التنمية الوطنية. وهناك دور مهم لجميع القطاعات الرسمية وخاصة التعليم ووسائل الاعلام في المساهمة في أن لا يفقد المتقاعدون احترامهم مجتمعياً بمجرد تركهم لوظائفهم وأن تساهم المناهج الدراسية في توعية الأجيال الشابة بأهمية الاستفادة من الخبرات المتراكمة للمتقاعدين وانهم جزء لا يتجزأ من برامج التنمية والنهضة الاقتصادية للوطن. وأن تلعب الجهات الرسمية دوراً كبيراً أيضاً في الضغط على القطاع الخاص وخاصة البنوك التي تتمتع بحوالات رواتب المتقاعدين في أن تدعم الجانب الصحي للمتقاعدين بإنشاء مصحات تناسب امراض تلك المرحلة العمرية حتى وإن كانت برسوم رمزية ويكون ذلك مقابل تشجيع وتسهيلات حكومية للقطاعات المتعاونة. فالتقاعد مرحلة واقعية من مراحل كل موظف، حيث لا بد أن يتقاعد يوماً ما، ويترك العمل لأشخاص آخرين فهذه سنة الحياة، فلو دامت لغيرك لما وصلت إليك، فالتقاعد مرحلة طبيعية من الحياة، والاستعداد لها يفترض أن يخطط لها على المستوى الفردي والحكومي.