يبقى الموظف المتقاعد "كنزاً ثميناً" غفل عن قيمته المجتمع، على الرغم من طاقاته وخبراته الطويلة في مجال عمله السابق، الأمر الذي يحتّم علينا التحرك من أجل إشراك "المتقاعدين" في العملية التنموية والاقتصادية أسوةً بما هو معمول به في الدول المتقدمة؛ التي تعمل على استثمار هذه الطاقات البشرية واستقطابها لسوق العمل وإشراكها في دعم مراكز الاستشارات الاقتصادية، وغيرها من المجالات. وتظلّ الحاجة ملّحة لإيجاد حلقة وصل ذات دور فاعل تربط بين الراغبين والراغبات من المتقاعدين في مواصلة العمل والجهات الحكومية والخاصة الراغبة في الإفادة من كفاءات وخبرات أولئك المتقاعدين والحفاظ على هذه الطاقات البشرية المهدرة وتوظيفها التوظيف الصحيح والفاعل في تنمية المجتمع، والعمل على سدّ الفجوة الموجودة بين أرباب العمل من جهات حكومية وخاصة وطالبي العمل من المتقاعدين والمتقاعدات أصحاب الخبرات الطويلة والكفاءات المهنية العالية، الأمر الذي يستدعي رصد هذه الخبرات والتجارب المهنية وعدم إهدارها. ويتطلب الأمر سرعة دراسة أحوال المتقاعدين وتصنيف خبراتهم المهنية بالتعاون مع كافة مؤسسات المجتمع، إلى جانب حل مشكلاتهم وإعانتهم على استثمار خبراتهم الطويلة في خدمة الوطن. مكانة مرموقة وقال "حمد العنزي" –متقاعد- :"أنا ضد إكمال مدة الخدمة في القطاع الخاص أو العام وأنا متقاعد إلا في حالة الحصول على وظيفة جيدة أو منصب يمنحني مكانة مرموقة أمام الزملاء بعد أن خدمت في عملي الوظيفي سنوات طويلة"، مضيفاً أنه من الأولى أن يتم إلغاء مسمى متقاعد من القاموس الوظيفي والاجتماعي، مرجعاً ذلك إلى أن المتقاعد مر بمرحلة طويلة من العطاء ووصل إلى قمة من المعرفة والخبرات، وبالتالي فإنه من الصعب أن ينتهي ذلك كله بمنحه هذا المسمى. وبين أن شركة "أرامكو السعودية" وبعض الشركات الكبرى تستعين ببعض المتقاعدين المتخصصين عندما تواجه مشكلة معينة في مواقع العمل، موضحاً أن العديد من المتقاعدين يتعرضون للتجاهل رغم امتلاكهم للخبرة والمعرفة في مجال أعمالهم السابقة، مشيراً إلى أن المتقاعد الذي كان يعمل في القطاع الخاص –شركة أرامكو على سبيل المثال- ليس بمقدوره أن يعمل في أي مجال من المجالات التابعة للقطاعات التي من الممكن أن تستفيد من خبرته السابقة، سواء كان ذلك في مجال الهندسة أو الإنتاج؛ لأن هناك قانوناً في التأمينات يمنعه من مزاولة العمل في هذه الحالة. ودعا الجهات ذات العلاقة إلى إعادة النظر في الأنظمة التي تحد من الإفادة من خبرات المتقاعدين في الوظائف القيادية، لافتاً إلى أن كلمة "متقاعد" تمنع المواطن من التمتع بالكثير من الخدمات الضرورية التي يحتاج إليها في حياته اليومية، مستشهداً في هذا الشأن برفض العديد من شركات تأجير السيارات تأجير سياراتها على المتقاعدين على الرغم من أن الراتب التقاعدي لبعضهم قد يصل إلى حوالي (25) ألف ريال، مؤكداً على أن المتقاعد يضطر حينها إلى الاستعانة ببعض أقاربه ممن قد لا يصل راتبه الشهري إلى خمسة آلاف ريال ليستأجر له سيارة باسمه. آلية واضحة وأشار "صالح الهذلي" –متقاعد- إلى أن عدم وجود آلية واضحة للتواصل مع المتقاعدين أثر عليهم بشكل سلبي، خاصة ذوي الخبرات والتخصصات النادرة والمتميزة، مبيناً أن عملية توظيف المتقاعدين والإفادة منهم تُواجه بشح الدراسات الميدانية في هذا الجانب، في ظل التجاهل الواضح لخبراتهم من قبل الجهات التي تقاعدوا منها، مضيفاً أن الجهة المعنية المسؤولة عن المتقاعدين ليس لديها إحصاءات عن المتقاعدين سنوياً وليس لديها قاعدة بيانات عنهم، الأمر الذي أهدر طاقات من يمتلكون الخبرة والمعرفة وعدم الإفادة منهم. وأضاف أن تلك الخبرات تذهب هباءً منثورا، إذ أن العديد من الشركات الكبرى تجلب الخبراء من الخارج وتتجاهل الخبرات المتراكمة التي لدى بعض المتقاعدين في المجال نفسه، مشيراً إلى أن الإفادة من خبرات المتقاعدين تشجعهم على مواصلة العطاء، مؤكداً على أن ذلك يتطلب أن تبادر الجهات المعنية بالمتقاعدين إلى إنشاء قاعدة بيانات إلكترونية تضم جميع المتقاعدين من الجنسين من العاملين في القطاع الخاص والحكومي، على أن يتم تحديثها بشكل مستمر، مشدداً على أهمية أن تشتمل على السيرة الذاتية للمتقاعد وآلية التواصل معه وهل لديه الرغبة بالعمل أم لا؟ ودعا إلى استحداث مراكز متخصصة بإجراء دراسات وبحوث خاصة بالمتقاعدين لبيان آلية الإفادة من خبرات الكفاءات من ذوي التخصصات النادرة والترويج لمن يرغب منهم في مواصلة العطاء، مشيراً إلى أن هناك بعض القصص المحزنة التي رويت عن زملاء له كانوا يعملون في إحدى الشركات الكبرى، وحينما صدر قرار تقاعدهم لم يستوعبوا ذلك واستمروا بالمجيء إلى مقر الشركة كل صباح والانتظار خارج المقر إلى نهاية فترة الدوام الرسمي، موضحاً أنهم استسلموا للأمر الواقع بعد فترة، كما أن منهم من أُصيب بحالة اكتئاب حادة واعتزل الناس ودخل في صراعات مع أفراد أسرته. مواصلة العطاء ولفت اللواء متقاعد "عبدالله بن علي البوشي" -مدير سجون المنطقة الشرقية الأسبق- إلى أن التصنيف الذي فرضته الأنظمة بين متقاعد وغيره هي من أجل أن يحل موظف مكان آخر، مضيفاً أن ذلك لا يمنع من مواصلة العطاء في ميدان آخر بعد التقاعد، إذ أن صاحب الهمة إذا انتهى من هدف بحث عن هدف آخر أعلى من السابق، مشيراً إلى أن هناك قوة بشرية من المتقاعدين لم يُستفد منهم في ميدان العمل ويجب أن يوضع برنامج وطني للإفادة منهم في شتى المجالات، موضحاً أن المتقاعدين يملكون من الخبرات ما يملكه الموظف الجديد. وأضاف أن هناك قصورا مشتركا من المتقاعدين أنفسهم ومن القطاعين العام والخاص في استقطابهم والإفادة من خبراتهم، مشيراً إلى أن ذلك يعود لعدم وجود قاعدة بيانات للمتقاعدين يمكن التواصل معهم عبرها، موضحاً أن العديد منهم يعزفون عن المشاركة المجتمعية والانخراط في الأعمال التطوعية، وذلك لأن بعضهم ينظر للتقاعد نظرة خوف وتشاؤم وكأنها نهاية الحياة؛ مما يكون له الأثر السلبي على حياتهم الصحية والاجتماعية، مؤكداً على أن ذلك يأتي لعدة أسباب، منها تجاهل الإدارات والمؤسسات للمتقاعد بعد انتهاء خدمته في العمل. وأوضح أنه ليس من الضروري أن يرغب كل المتقاعدين في العمل بعد التقاعد، مشيراً إلى أن هناك من ينظر للتقاعد بنظرة تفاؤل وأنه بمثابة الانتقال من مرحلة الدوام والتعب إلى مرحلة الاستقرار والهدوء وتجديد الدماء، مبيناً أن مرحلة التقاعد ليست بالهينة ولا يمكن تجاهلها في حياة الإنسان، لافتاً إلى أهمية الدور الذي يجب أن تلعبه القطاعات المختلفة في تشجيع تلك الكوادر البشرية المهملة في السوق المحلي. طاقات مهدرة لم يستفد منها الوطن وتبحث عن حلول ل«قطيعة» مؤسسات المجتمع وضعف الخدمات قاعدة بيانات وطنية وبينت "حنان بنت محمد الدهام" -عضو مجلس إدارة الجمعية الوطنية للمتقاعدين في الدمام- أن المشكلة الحقيقية لعدم الإفادة من خبرات المتقاعدين تكمن في عدم وجود قاعدة بيانات وطنية، مضيفة أن الوقت قد حان لإنشائها في القريب العاجل بالتعاون مع القطاعين الحكومي والخاص، مشيرة إلى أهمية احتوائها على أسماء المتقاعدين وخبراتهم وأرقام التواصل معهم، مؤكدة على أن الجمعية ستتمكن حينها من التواصل معهم وتسويق خبراتهم والإفادة منها، مشددة على ضرورة إعطاء المتقاعد المكانة التي تليق به وبخبراته الوظيفية بمختلف درجات المراتب الوظيفية. وأضافت أن هناك آلية للإفادة من خبرات المتقاعدين في بعض المناصب أو الوظائف الحكومية والقطاع الخاص، ومنها تكوين مجالس للخبراء المتقاعدين في تلك القطاعات بحيث يعرض عليهم كافة المشروعات والمشكلات التي تواجه تلك اﻷجهزه للمساهمة في حلها، موضحة أنه يمكن الإفادة منهم بوضع المتقاعد مستشاراً في إدارته السابقة التي كان يعمل بها، إلى جانب إلزام الإدارات بدعوة المتقاعد لحفلات المناسبات بدلاً عن الانقطاع التام الحاصل حالياً. وأكدت على أن هناك تجاهلا من قبل العديد من القطاعات الحكومية والخاصة لخبرات المتقاعدين، على الرغم من سنوات العطاء التي بذلوها، موضحة أن المتقاعد أصبح مجرد اسم في السجلات القديمة داخل المنشأة التي كان يعمل بها، متسائلة عن جدوى إهدار خبرات سنوات طويلة كان من الممكن الإفادة منها في التطوير وتحسين جودة الأداء في مخرجات العمل، داعية الجهات المعنية إلى وضع آلية معينة بالتعاون مع الجمعيات المختصة تسهل عملية الإفادة من تلك الخبرات التي تم تجاهلها. وظائف قيادية وأوضح "سعيد بن عبدالله الغامدي" -مدير فرع الجمعية الوطنية للمتقاعدين بالدمام- أن فرع الجمعية كون لجنة خاصة لتسويق خبرات المتقاعدين من القطاعين العام والخاص، مضيفاً أنه تم توظيف العديد منهم في وظائف قيادية على حسب خبراتهم العملية والعلمية، مشيراً إلى أن معظم طلبات التوظيف أو الرغبة في العمل كانت في شركات سابك والكهرباء والهيئة الملكية، مبيناً أنه يتم تزويد القطاع الخاص بخبرات المتقاعدين وفي حال الاستفسار عن بعض المهن يتم تزويد الجهة الطالبة للمتقاعد برقمه للتواصل معه مباشرة. ولفت إلى أن الجمعية ليست جهة للتوظيف، بل هي داعمة للمتقاعدين للحصول على فرص وظيفية، خاصة المتقاعدين منهم في سن مبكرة، مضيفاً أنه يتم توظيف العسكريين منهم في مجال الأمن والسلامة في الشركات الأمنية، مبيناً أن الجمعية أسهمت في توظيف عدد محدود من المتقاعدين بلغ ما بين (40) إلى (60) متقاعدا خلال السنوات الماضية، مشيراً إلى أن هناك لجنة أخرى خاصة بالسيدات تقدم برامج مماثلة للبرامج المقدمة للرجال، لافتاً إلى أن لديها العديد من الفعاليات والبرامج، من بينها برنامج اليوم المفتوح ومعارض من إنتاج المتقاعدات. الحياة الوظيفية للمتقاعد يجب ألا تنتهي بمجرد الاحتفاء به سعيد عبدالله الغامدي