لم تتخلص الجزائر بعد من ملفات ورثتها عن 130 سنة من الاحتلال الفرنسي الاستيطاني الذي سعى بكل ما يملك من أدوات إلى سلخ الجزائريين من انتمائهم ذي العمق العربي الإسلامي، لعل أبرز هذه الملفات تلك ذات الصلة باللغة والهوية ظلت وما تزال تلقي بظلالها على مناهج التربية وتفتح جبهات صراع بين معسكرين اثنين يتنازعان منذ أكثر من 50 سنة المدرسة والإدارة والجامعة، معسكر الفرنكفونيين العلمانيين ومعسكر المعربين المحافظين. وسبق الدخول المدرسي الجديد (2016/2017) جدلا لم ينته بعد بين المعسكرين نشط صيف السياسيين والإعلاميين هذا العام، يتصل بالإصلاحات التي تنادي بها وزيرة التربية نورية بن غبريت، هذه الخبيرة البيداغوجية، التي نصبها الرئيس بوتفليقة على رأس قطاع التربية منذ مايو 2015، ولم تتوقف عن صنع الجدل حول شخصها أولا، لأصولها اليهودية، والريبة التي تحيط إصلاحاتها ثانيا، باعتبارها واحدة من غلاة الفرنكفونيين وظلت تشتغل بالجامعة الجزائرية متأثرة بالمناهج التربوية الفرنسية، فضلا عن جهلها اللغة العربية بشكل كلي، ولم يكن ذلك ليخفى على الجزائريين خلال مشاركتها في الندوات وتنشيطها الندوات الصحفية. وأعلنت الوزيرة الأحد لدى إعطائها إشارة الانطلاق الرسمي للسنة الدراسية الجديدة فتح موقعا إلكترونيا لإتاحة الفرصة لجميع الجزائريين وكذا الخبراء للمشاركة بالرأي حول جملة إصلاحات الجيل الثاني التي تقترحها الوزيرة لإصلاح المنظومة التربوية في الجزائر. وعلمت "الرياض" من مصدر عليم داخل وزارة التربية، أن فتح الموقع الإلكتروني أمام كل الجزائريين للمساهمة في بلورة إصلاحات قطاع التربية، جاء بإيعاز من الرئيس بوتفليقة شخصيا، الذي يكون قد استاء من التراشقات الحاصلة بين الوزيرة والشركاء السياسيين والاجتماعيين، ويريد تبرئة ذمته بإلقاء النقاش حول المدرسة إلى الشارع، وبين يدي كل الجزائريين، على خلفية الهالة الكبيرة التي تحيط بإصلاحات الوزيرة والاتهامات التي تطالها يوميا من أحزاب ترى فيها "خطرا "على أبناء الجزائر بل وتطالب برحيلها، على رأسها الأحزاب الإسلامية ويبداغوجيون يحسبون على التيار الوطني المحافظ والإسلامي. وفي اتصال مع البرلماني الإسلامي عن "جبهة العدالة والتنمية " تساءل "لخضر بن خلاف" عن جدوى إعلان وزيرة التربية فتح عنوان إلكتروني أمام عامة الجزائريين للمساهمة برأيهم في إصلاحاتها للجيل الثاني، وقد "باشرت الإصلاحات دون استشارة أحد لا النقابات ولا أولياء التلاميذ ولا الخبراء واستقدمت خلسة خبراء فرنسيين وتكتمت على ذلك حتى فضحتها وزيرة التربية الفرنسية في زيارة للجزائر". وبالنسبة للنائب الإسلامي، وهو من أبرز متتبعي ملف التربية في الجزائر، فإن الإعلان عن إشراك كل الجزائريين في إصلاحاتها هو "مجرد ذر الرماد في الأعين" على اعتبار أن الوزيرة "أعدّت الإصلاحات (إدراج العامية في التعليم، تقليص ساعات تدريس العربية، تمكين الفرنسية على حساب ساعات الإنجليزية) ووزعت الكتب" فضلا عن أنه "ليس من مهام الشعب الجزائري الإدلاء برأيه عندما يتعلق الأمر بملفات تتطلب الاختصاص" معتبرا أن الوزيرة تضحك على ذقون الجزائريين وأن "مشكلتها مع اللغة العربية والدين وليس مع المدرسة وهو ما تؤكده في كتبها". وكانت نورية بن غبريت، اتهمت الأحزاب الإسلامية، دون أن تسميها، لدى افتتاحها الندوة الوطنية حول الدخول المدرسي في 27 اغسطس الماضي، بالسعي إلى" إقحام المدرسة في السياسة واستغلال موضوع الإصلاحات لخدمة مصالح سياسية أبرزها الاستحقاقات التشريعية 2017" متوقعة "مزيدا من الإشاعات والأكاذيب حول إنجازات قطاعها.." . وتحوز بن غبريت، على دعم مطلق من الوزير الأول عبد المالك سلال، وكبريات أحزاب السلطة على رأسها "حزب جبهة التحرير" (الأفلان) و"التجمع الوطني الديمقراطي" ( الأرندي)، حيث لم تفلح فضائح باكالوريا 2016 من زعزعتها من منصبها، ولا ما يشبه الحملة التي تدار حولها بوصفها "التغريبية التي تحاول أدلجة المدرسة" من النيل منها. لخضر بن خلاف