شهد الشهران الماضيان وستشهد الشهور القليلة القادمة تسارع الخطى، وركضاً محموماً نحو منابع الربح السريع، والأحلام المتسعة بأن يصبح الإنسان مليونيراً وهو في مكانه دون جهد أو عناء، أو إرهاق، أو دوام صباحي يجعله ينقم على كل من حوله، وعلى هذا النظام المتهالك الذي يدفعه إلى الالتزام بدوام ثابت يوقظه عند السابعة، وهو الذي نام قبل الفجر يرصد ملامحه، ويعد مكتسباته القادمة، ويحلم بكسر حاجز هذا الدوام والتمرد عليه، والانضمام إلى فئة من يكسبون دون جهد، ومن يقفون الساعات يشربون الشاي أمام شاشات الأسهم في كامل أناقتهم ثم يربحون مبالغ جيدة، قد تكون في ساعة واحدة تعادل راتبه في شهر كامل. هذه الأحلام الجميلة طغت على كثير من النساء والرجال، وخلقت مقومات حس اقتصادي جديد مجمله يبتعد عن فهم سوق الأسهم وتقلباتها، والوعي بصدماتها. فعند طرح أسهم الاتصالات قبل ثلاثة أشهر، قامت الدنيا ولم تقعد، ولم يتبق أحد فقيراً أو غنياً إلا واكتتب في الأسهم حالماً بالثراء الكبير، وراسماً أماني بتحسين مستواه والقفز على ظروفه السيئة، وعند طرحها وكغالبية من لا تكفيهم رواتبهم، سارع هؤلاء إلى الاقتراض من البنوك، وبعضهم اشترى سيارات، وباعها، وخسر فيها مبالغ باهظة على أمل التعويض عند طرح الأسهم، والنتيجة 5أسهم لكل فرد، أو ثلاثون، أو أربعون لكل من يعرفهم من أطفال وشيوخ. وعند طرح أسهم التعاونية ترددوا كثيراً لارتفاع سعر السهم 205ريالات، ولكن أغلبهم يستعد الآن لأسهم بنك البلاد ويمني نفسه بعدد أكبر على اعتبار أن ما سيطرح من أسهم يعتبر أكثر من أسهم الاتصالات، ومن الآن استعدوا لتصريف أمورهم والاقتراض إن أمكن. لا أحد يصادر أحلام أحد، ولا يستطيع أحد أيضاً أن يمنع شخصاً من أن يتمنى ويرسم خطوط مستقبل جميل مليء بالاستقرار المادي، ومريح، ويساهم في حياة أفضل. لكن رسم الأحلام بطريقة البسطاء، وعلى منوال تلك المرأة التي صادفتها في أحد البنوك في شهر رمضان الماضي وهي تكتتب ب 500ريال في الاتصالات، وبعد أن انتهت طلبت من الموظفة اخبارها في اللحظة والتو بأرباحها، وعندما حاولت إفهامها، قالت لها بكرة أجيكم عشان استلم فلوسي، لأن الله يعلم من وين جبت ها الخمسمائة، سأعيدها لأصحابها واستلم أرباحي. هذه المرأة كغيرها من النساء البسيطات، والمعدومات الخبرة اقتصادياً والبعيدات عن سوق الأسهم يعتقدن أن الشراء يعقبه ربح، وهي ثقافة سائدة يطلق عليها ثقافة العوام، لا تختلف عن ثقافتهم في السياسة التي تحلل ارتفاع أسعار النفط وانخفاضها، وأرباحها،وسياسة الإصلاح الداخلية، وهموم الناس بطريقة تتفق مع ثقافتها الخاصة، لكنها لا تعكس حقيقة أبعاد ما يجري. المشكلة هنا لا تختلف كثيراً عن رغبة آلاف الأشخاص في الربح السريع والهائل من خلال كارثة بطاقة سوا، المصائب التي يعاني منها بعضهم الآن وبالذات من اقترضوا من البنوك، وأصبحوا غير قادرين على السداد في ظل هروب الكبار، أوهوامير سوا .من ينقذ هؤلاء؟ وما كان يفترض أن يحميهم من سذاجتهم، ويصادر أحلامهم؟ وعلى الرغم من الاختلاف الجذري بين الاثنين، كون البنوك والأسهم وجودها بعيد عن الخيال، وكونها تحت مظلة اقتصاد قوي وصريح إلا أن من يتقدم لشرائها من صغار المساهمين بأحلامه غير المحددة، وعدم قدرته الفعلية على الشراء يساهم في مشاكل مستقبلية لهؤلاء البسطاء، ويهدر كثيراً من طاقاتهم، وجهودهم، وتفكيرهم الحقيقي في أعمالهم الأصلية، والتركيز على طموحات قد تتحقق، وقد لا تتحقق في الغالب. ولكن ما أسباب ذلك؟ ولماذا يكثر الناس من الأحلام دون دراية؟ ولماذا يبحثون عن البعيد دون تفكير حقيقي في الغريب؟ وأقرب مثال على ذلك من يتصلون على أرقام 7000والأموال المهدرة لهم دون تحقيق أي إنجاز أو فوز، ومع ذلك يظلون يماسرون رغبتهم في الفوز دون يأس. أعيد وأقول إن الرغبة في تحقيق أرباح ومكاسب حلم مشروع ومفتوح على مصراعيه، ولكنه قد يكون غير مسموح به للفقراء كثيراً، لأن الربح في 4أسهم لا يعني شيئاً للرابح مقابل من يربح في الاف الأسهم كل يوم، ولأن قانون السوق يمنح الفرصة للجميع دون استثناء ولكن من يستطيع الصمود، ومن يقاوم بريشة متحركة قابلة للطيران في أماكن الأقوياء؟