طبيب له خبرة طويلة في مجال عمله، أستاذ ومعلم، لديه عيادات في أكثر من مكان بالإضافه لمهامه الأخرى حيث يهتم بالبحوث التطويرية للرعاية الصحية. مايزال هذا الطبيب رغم مضي العمر ورغم تاريخه العلمي والعملي الطويل يتعلم. فهو يتعلم من مرضاه كما يقول. في نظره المريض هو أكبر مصدر للمعلومات لطبيبه. لذلك فهو يجيد الإنصات للمريض ويجيد طرح الأسئلة، فالمريض بالنسبة له ليس رقماً في ملف. يمضي ليلته في قراءة ملفات المرضى المسجلين في عيادته لليوم التالي يهمه معرفة التفاصيل الدقيقة، يجيد لغة المرضى ومفرداتهم، يبسط المعلومة، يضع نفسه مكان المريض المنشغل الخائف ويعامل المريض بطريقة "ندية" وليست طريقة فوقية تعطي الأوامر وتصف الدواء، هو ليس بموسوعة طبية تكرر الكلمات المنمقة والمصطلحات التقنية الدقيقة وإن كان يعرفها ودرسها وعلمها لأجيال بعده. هو إنسان يذكر نفسه كل يوم بأنه قد يكون هذا المريض أو قريباً لمريض قلق من عارض صحي، لذلك تجده يتذكر تفاصيل كثيرة عن مرضاه. الفلسفة العلاجية هنا تعتمد على التواصل مع المريض، وإعطائه إحساساً بالأمان، والفلسفة العلاجية هنا، هي النظر للمريض على أنه حالة منفصلة عن ما درسه في الكتب العلمية حتى وإن تشارك في الأعراض معها لذلك تجده لا يتسعجل الاستنتاج الطبي ولا التشخيص بناء على معلومات حفظها مسبقاً بل يتحضر المعلومة ويتأمل الحالة أمامه. حين نتحدث عن هذا النموذج يمكننا أن نتحدث عن جودة الرعاية الصحية، والتي لا تعتمد فقط على المهارات الفردية للطبيب ولا على توفر أحدث العلاجات فقط بل تعتمد أيضا على قدرة الطبيب على التواصل مع المريض على رؤية هذا المريض كإنسان وليس كمعلومة في ملف وهذه النقطة مهمة جداً. دورك كطبيب ليس أن تسمع ما حفظته ودرسته في السنوات الماضية فقط، بل هو أن تلاحظ وتستمع وتقدم للمريض خياراته العلاجية المناسبة بلغة يفهمها وتساعده على اتخاذ القرار. "إقرأ الملف، استمع للمريض" أول جملة قد يسمعها كل طبيب مبتدئ، لأن تجاهل معلومة صغيرة عن المريض كحساسية ضد دواء معين أو تاريخ عائلي لمرض السكر أو ارتفاع الدهون وغير ذلك قد تؤدي لخطأ علاجي فلا يمكنك أن تدخل على مريض مصاب بمرض عصبي أقعده عن الحركة وتطلب منه أي يرفع نفسه من السرير كي تكشف عليه رغم أن ملف المريض أمامك يوضح تشخيصه وحالته الصحية (وصدقوني إن قلت لكم إن هذا الموقف قد حدث فعلاً!) ولا يمكنك أن تتكلم مع الممرضات أو زملائك الأطباء أو أقارب المريض عن حالته وكأنه غير موجود بالغرفة ولا يمكنك أن تتجاهل ما يقوله المريض حتى وإن كنت ترى أن كلماته فيها شيء من المبالغة، ولا يمكنك أن تتكلم بتعالٍ أو حتى استعجال مع المريض أو تشعره بأنه يضيع وقتك أو أنك أفضل منه أو أنه لا يستحق أن يعرف المعلومة أو خياراته المتاحة لأنه فقط غير متخصص. كلها أمور تعاملية مهمة، تحرص كثير من الكليات الطبية والبرامج التدريبية في المستشفيات على تعليمها وتحرص أيضاً على مراقبة وتقييم أداء المتدربين والعاملين من أطباء وغيرهم من الناحية التعاملية، فالتواصل مع المريض وتبسيط المعلومة له جزء مهم من الخطة العلاجية ولها دور مهم في زرع الثقة بين المريض والطبيب.