عبر العصور ظل أمر جنس المولود المنتظر هو شغل الوالدين الشاغل لاعتبارات خاصة بعضها تحكمها الطبيعة والفطرة البشرية والاعتقادات المتوارثة المرتكزة على الاحتياجات الإنسانية وبعضها تحكمه الاحتياجات الطبية التي تفرضها كثير من الأمراض المرتبطة بالجين الذكري على حدة أو الجين الأنثوي. وكثير من الأزواج يتمنون أن يكون ولدهم القادم ذكرا، وآخرون يرغبون أنثى، ومنذ يوم الزواج الأول يبدأ الزوجان بسماع نصائح حول طرق اختيار جنس المولود، والتي في غالبها لا تعدو مجرد خرافات لا أدلة علمية تدعمها، رأينا التطرق لها في هذه العيادة الصحفية. وفي البدء يجب التذكير بأن تحديد جنس الجنين هو مِن قدر الله سبحانه وتعالى، يُؤمر المَلك بكتبه كما أراده سبحانه وتعالى في قضائه الأزلي، يقول عز من قائل حكيم : ( لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ ) الشورى/49. ومن الناحية الطبية فإن القاعدة العلمية الرئيسية المتعارف عليها والتي تقوم عليها جميع الأبحاث العلمية في هذا المجال تعتمد على حقيقة أن تحديد جنس المولود يحدد بنوع الكروموسوم الذي يحمله الحيوان المنوي والذي قد يكون أنثويا ( X - chromosome) أو ذكريا ( Y- chromosome) في حين أن بويضة الأنثى لا تحمل إلا ( X-chromosome ) أي الكروموسوم الأنثوي. فإذا كان الالتقاء بين حيوان منوي يحمل الكروموسوم الأنثوي مع البويضة كان نتيجة التلقيح أنثى (X-X)وإذا كان الالتقاء بين حيوان منوي يحمل الكروموسوم الذكري مع البويضة كان الناتج ذكرا. (X-Y) وبالنظر الى تاريخ الشعوب نجد أن الإغريق سعوا لتحديد جنس المولود اعتمادا على قناعتهم بأن الأجنة الذكور مختزنة بالجهة اليمنى للرجل، في حين تحتل الأجنة الإناث الجهة اليسرى، وبناء على هذا الاعتقاد السائد كان الرجل الإغريقي يربط على خصيته اليسرى لمنع تكون الإناث خلال المعاشرة. أما الرجل الهندي فقد كان يحكم قبضته على الخصية اليسرى لنفس السبب، في حين كان الرجل الفرنسي يقوم باستئصال خصيته اليسرى على وجه الإطلاق لمنع تكون الإناث. من ناحية أخرى واعتمادا على اعتقادات شعبية متوارثة كذلك اعتقد الشعب التايوني بأن زواج الرجل البدين من السيدة النحيفة يقود الى إنجاب الإناث والعكس صحيح. كما افترضوا أن أكل المتبلات واللحوم والأسماك المملحة والحامضة وخصيتي الحيوان يساعد على إنجاب الذكور. الشعوب المختلفة الأخرى اعتقدت أن المعاشرة في الأيام الزوجية ينتج ذكورا وحدوثها في الأيام الفردية ينتج إناثا. وكثيرة هي المحاولات التي سعى لها العرق البشري من أجل تحديد جنس المولود اعتمدت كلها على افتراضات النجاح أو الفشل, حتى تدخل العلم وأصبح لاختيار جنس المولود وسائل مختلفة تتفاوت في درجات تعقيدها وفرص نجاحها. ولكثرة ماورد لهذه العيادة الصحفية من اسئلة تدور حول طرق تحديد جنس المولود رأينا تخصيص هذه العيادة للحديث وبشكل مفصل عن الطرق المطروحة والمتداولة بين الناس وحتى الأطباء لهذا الغرض ومناقشتها من الناحية العلمية: تحديد نوع الجنين قبل الحمل بواسطة الغذاء: أثبتت بعض الأبحاث أن تغذية المرأة قد يكون لها تأثير في عملية اختيار جنس المولود، وذلك بتأثيرها على المستقبلات التي ترتبط بها الحيوانات المنوية في جدار البويضة, والتي عن طريقها تخترق الجدار الخارجي للبويضة ويحدث التلقيح. كما أن للتوازن الأيوني للصوديوم والبوتاسيوم مقابل الكالسيوم والمغنيسيوم تأثيرا حيويا على هذه المستقبلات مما يؤدي إلى حدوث تغييرات على مركبات الجدار والذي بدوره يؤثر على انجذاب الحيوانات المنويه الذكرية أو الأنثوية. وبصورة مبسطة فان زيادة نسبة الصوديوم والبوتاسيوم في الغذاء وانخفاض نسبة الكالسيوم والمغنيسيوم يحدث تغييرات على جدار البويضة لجذب الحيوان المنوي الذكري( Y-sperm)واستبعاد الحيوان المنوي الأنثوي (X-sperm) وبالتالي نتيجة التلقيح تكون ذكرا، والعكس صحيح فان زيادة نسبة الكالسيوم والمغنيسيوم في الدم وانخفاض الصوديوم والبوتاسيوم يجذب الحيوان المنوي الحامل للكروموسوم الأنثوي (X-sperm) ويستبعد الحيوان المنوي الحامل للكروموسوم الذكري (Y-sperm)وبالتالي تكون نتيجة التلقيح والحمل أنثى. توقيت المعاشرة لتحديد جنس المولود: وتعتمد هذه الطريقة لتحديد نوع الجنين قبل الحمل على الخصائص الفيزيائية للحيوانات المنوية التي تختلف فيها الحيوانات المنوية الذكرية عن الأنثوية، بحيث وجدت الأبحاث أن الحيوان المنوي الذكري خفيف الوزن, سريع الحركة ولكنه يعيش فترة قصيرة من الزمن, في حين أن الحيوان المنوي الأنثوي ثقيل الوزن بطيء الحركة ويعيش لفترة زمنية أطول. وبناء على ذلك فانه يمكن بتحديد موعد الاباضة لدى السيدة التدخل نسبيا بتهيئة التوقيت المناسب للمعاشرة لتكون النتيجة الجنس المرغوب به، فمثلا اذا حدثت المعاشرة مباشرة بعد حدوث الاباضة فان الكفة ترجح للذكورة والعكس صحيح. تجدر الإشارة بأن هذه الطريقة لوحدها لا تتمتع بفرص نجاح عالية ولكن اذا كانت مرتبطة بالحمية الغذائية المناسبة فانها تحسن فعاليتها جدا، ويجب كذلك حساب موعد الإباضة بدقة لأنه يختلف من امرأة لأخرى وفي نفس المرأة من شهر لآخر. الوسط الحامضي والقاعدي لتحديد جنس المولود: وهذه أمور غدت حديث المجتمع العام إذ أصبح من المتعارف عليه أن الوسط الحامضي هو أكثر ملاءمة للحيوان المنوي الأنثوي والوسط القاعدي يناسب الحيوان المنوي الذكري,واعتقد الناس بأن أنواع الغذاء تلعب دورا بتحديد جنس المولود وذلك بنتائج عمليات الأيض للأغذية المختلفة والتي تعطى أوساطا حمضية أو قاعدية وهذا الأسلوب لم يحقق نتائج مشجعة على عكس الحمية الغذائية التي تغير من مدى استقبالية البويضة للحيوان الذكري أو الأنثوي والمذكورة سابقا, كما ساد الاعتقاد بأن عمل دش مهبلي حامضي أو قاعدي يمكن أن يغير من الوسط وهذه الطريقة غيرت فرص النجاح إلى ما يقارب 5 % وهي نسبة لا يمكن تجاهلها, الا أنه يجب التنويه بأن هذه المحاليل المستخدمة يجب أن تكون محضرة بدقة ويمكن الحصول عليها من الصيدليات المختلفة لا أن تحضر منزليا كدش بيكربونات الصوديوم المتعارف عليها والتي قد تلعب دورا سلبيا حتى على خصوبة المرأة والقدرة على الإنجاب. *كيف يمكن اتباع طريقة الحمية الغذائية وتوقيت المعاشرة تحت الإشراف الطبي بالاستعانة بالدش المهبلي لاختيار جنس المولود؟ لاتباع هذه الطريقة فان على السيدة اتباع الحمية الغذائية لدورتين شهريتين متتاليتين تسبق الدورة الشهرية التي سيتم تطبيق البرنامج خلالها، وقبل البدء بالبرنامج الغذائي فان الفحوصات التالية ضرورية: 1)مستوى الصوديوم بالدم ، ومستوى البوتاسيوم للراغبين بإنجاب الذكور. 2)مستوى الكالسيوم بالدم ومستوى المغنيسيوم للراغبين بإنجاب الإناث. وعلى الزوجة الاستمرار بهذه الحمية الغذائية لحين حصول الحمل. وخلال الدورة الشهرية التي سيتم بها تطبيق المحاولة ترصد الإباضة لدى المرأة ويحدد لها وقت المعاشرة المناسب للجنس المرغوب به فعلى سبيل المثال وبناء على ما ذكر سابقا إذا كان الزوجان يرغبان بإنجاب أنثى يحدد وقت المعاشرة ب 24 ساعة قبل الإباضة أما إذا كانت الرغبة ولد فيحدد ليكون بعد الإباضة مباشرة وهذا تفسره الخصائص الفيزيائية للحيوانات المنوية التي تم الشرح عنها سابقا. ويمكن الاستعانة بالدش المهبلي الحامضي في حالة الرغبة بإنجاب بنت أو القاعدي للمساعدة على إنجاب الذكر ويعمل قبل نصف ساعة من المعاشرة شريطة أن يكون المحلول مجهزا بطريقة طبية. التدفق الخلوي لفصل الحيامن (Flow Cytometry/ Sperm Separation): تقوم طريقة فصل الحيوانات المنويه هذه بالاعتماد على محتويات المادة الوراثية (DNA) وتسمى هذه الطريقة وترتكز طريقة على أن الحيوان المنوي الحامل للكروموسوم الأنثوي يحتوي على المادة الوراثية DNAبما يقارب 2,8 % أكثر من الحيوان المنوي الحامل للكروموسوم الذكري. وبناء عليه فان هذا الاختلاف يمكن قياسه وبالتالي فصل الحيوانات المنوية الذكرية عن الأنثوية بأدوات دقيقة تسمى (Flow Cytometer Instrument) وهي أداة تستخدم لدراسة وحساب الخصائص الكيميائية والوظيفية للخلية. ولفحص دقة ونقاوة الفصل هذه يمكن دراسة الناتج بطريقة FISHوفيها يتم صبغ الكروموسومات لجزء من العينة التي تم فصلها ليعطى كروموسوم الحيوان المنوي الذكري اللون الأخضر وكروموسوم الحيوان المنوي الأنثوي اللون ( الزهري /الأحمر ) ومن ثم تدرس هذه العينة تحت الميكروسكوب لدراسة دقة الفصل ونقاوته. تجدر الاشارة الى أن السائل المنوي بالحالة الطبيعية يحتوي بصورة تقريبية على 50 %حيوانات منوية أنثوية و50 % حيوانات منوية ذكرية باستثناء بعض الحالات الشاذة. بعد ذلك يتم استخدام العينة المجهزة أما للحقن الاصطناعي IUIأو لاطفال الانابيبالتقليدية IVFأو للحقن المجهري (ICSI) بنسب نجاح تصل الى 90 % اذا حصل الحمل بمشيئة الله. إلا أن هذه الطريقة ما زالت حكرا على مراكز محدودة جدا في العالم فهي حديثة التطور بعد أن أجريت لها تجارب عديدة على الحيوانات وأصبحت الآن تحت التنفيذ ولكن بشكل محدود جدا. اختيار جنس المولود باستعمال طريقة فصل الأجنة (PGD): هذه الطريقة هي أكثر الطرق ضماناً للنجاح حالياً حيث إن نسبة نجاح الحمل بالجنين المراد تحديده تصل من 99-100% وقبل الخضوع لهذه العملية يجب مناقشة الموضوع مع الزوجين ودراسة بعض النقاط المهمة ومنها: 1)عمر الزوجة. 2)عدد الأطفال في العائلة وجنسهم. 3)الوضع الصحي للزوجة وإمكانية تكرار الحمل وطريقة الولادة. 4)تقبل نسبة حصول حمل بجنين غير مطلوب حتى لوكانت احتماليته باتباع هذه الطريقة لاتزيد عن 1%. وتتم عملية فصل الأجنة وتحديد جنس المولود بعدة مراحل: 1)المرحلة الأولى : برنامج تحريض الإباضة عن طريق إبر هرمونات تعطى للزوجة من بداية الدورة. ويتم خلال البرنامج مراقبة البويضات باستمرار لغاية وصولها الحجم المطلوب للسحب. 2)المرحلة الثانية : سحب البويضات من الجسم عن طريق إبرة مهبلية خاصة تحت التخدير العام او الموضعي ويتم بنفس اليوم تلقيح البويضة مجهرياً. 3)المرحلة الثالثة : وضع الأجنة في حاضنات خاصة وتركها لمدة 3 أيام لحين وصول كل جنين إلى مرحلة 6-8 خلايا ويتم حينها ثقب جدار الجنين وسحب خلية واحدة من غير أن يؤدي ذلك إلى ضرر أو أذى في الجنين وتدرس الخلية بطريقة صبغ الكروموسومات (FISH)لتحديد الجنين ويمكن كذلك عمل بعض الفحوصات الكروموسومية. 4)المرحلة الرابعة : ترجيع الاجنة من الجنس المطلوب بعد تحديد جنس المولود، ولا يتم إرجاع إلا الأجنة المرغوب في جنسها والأجنة السليمة ونود أن نذكر هنا أن هناك حالات لا يكون هناك أجنة سليمة أو من الجنس المطلوب ولا يتم الإرجاع في هذه الحالة ويلغى البرنامج. 5)المرحلة الأخيرة : هي أخذ برنامج مثبتات للحمل والانتظار لمدة أسبوعين لمعرفة حدوث الحمل من عدمه. وما يميز هذه الطريقة عن غيرها من طرق تحديد جنس المولود أنها أكثر ضماناً وتصل نسبة نجاحها تقريباً إلى 99% كما أنها لا تشكل خطراً على الأجنة حيث ان الخلية المفحوصة تؤخذ من جنين مازال في طور الانقسام مما لا يؤدي إلى حدوث أي تشوهات أو تأثيرات جانبية على المولود لاحقاً ولكن عمل فصل الأجنة يقلل من نسبة نجاح الحمل بدرجة بسيطة جداً مقارنة بالطرق الأخرى لأطفال الانابيب العادية التي لا يصاحبها اختيار لجنس المولود. ومع أن نسبة نجاح هذه الطريقة عالية جدا الا اننا نود الإشارة الى بعض الأمور الهامة المتعلقة بها: هذه التقنية ليست قانونية في كثير من الدول، والتي تمنع اختيار جنس الطفل إلا إذا كان الهدف منه منع انتقال أمراض وراثية معينة، مثل الهيموفيليا الذي يؤثر على الذكور وينتقل بالوراثة، وفي هذه الحالة فإن الطبيب سوف يزرع الأجنة الأنثوية فقط. يطرح اختيار جنس المواليد إشكالية أخلاقية في كثير من المجتمعات. قد يؤدي تفضيل جنس معين للمواليد إذا تم تطبيقه على نطاق واسع إلى إحداث اختلال في التوزيع الطبيعي لجنس المواليد ونسب الذكور للإناث. ويوضح الجدول التالي نسب النجاح التي حققتها الطرق السابقة في تحديد جنس المولود مع الأخذ بعين الاعتبار بأنه لو تركت الأمور بالشكل الطبيعي تكون النسبة 51 % ذكورا و49 % اناثا النسبة المئوية للذكور الطريقة المتبعة 70 % الغذاء + توقيت المعاشرة + الدش المهبلي القاعدي 51 % النسبة الطبيعية دون اتباع أي طريقة لاختيار جنس المولود 56 % الدش المهبلي القاعدي 55 % الغذاء القاعدي لتغيير وسط المهبل 55 % غربلة الحيوانات المنوية والتلقيح الصناعي دون اتباع النظام الغذائي وتوقيت الحقن 90% التدفق الخلوي لفصل الحيامن مع الحقن المجهري 99 % فصل الأجنة