سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
المجتمع لن يختطفه «الغلو والتطرف» وواقعه شاهد على «الوعي» و«المنجزات» الملك عبدالله أسس ثقافة الحوار بين أبنائه طمعاً في «وحدة الكلمة» و«الصف» و«الانفتاح» على المتغيرات مع التمسك بالثوابت
قطع مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني شوطاً كبيراً ومهماً في تعزيز ثقافة الحوار في المجتمع، وبناء شراكات مميزة مع مؤسساته، وتحويل الاختلاف إلى مشروع عمل نتواصل فيه بحثاً عن مصلحة المجموع وليس الأشخاص مهما كانت توجهاتهم ومواقفهم، وهو ما تحقق في كثير من اللقاءات الفكرية للمركز طوال العشر سنوات الماضية، وما يقتضيه الظرف الحالي من متغيرات ومغريات من التحول إلى استراتيجة عمل جديدة قائمة على التنفيذ العملي للتوصيات والقرارات، والمساهمة في تبني أنظمة وتشريعات تنبذ العنصرية والتعصب والكراهية. وأظهرت أدبيات الحوار خلال السنوات الماضية أنه أفضل وسيلة لمواجهة مظاهر الغلو والتطرف في المجتمع، وبالتالي لن يعلو صوت التشدد على طاولة الحوار وهي تغذي منهج الوسطية والاعتدال، ولن يختطف المتشددون في أقوالهم وسلوكياتهم المجتمع وواقعه شاهد على الوعي والمنجزات، وأكثر من ذلك لن يجد التشدد نفسه إلاّ منعزلاً مرتبكاً عاجزاً عن المواجهة لمجتمع حسم أمره نحو الانفتاح المسؤول، والخروج إلى فضاء العالم الأول وهو أكثر استيعاباً للتطورات السياسية والأمنية المحيطة به، وأكثر تمسكاً بثوابته الدينية والوطنية من دون وصاية أحد. "ندوة الثلاثاء" تناقش هذا الأسبوع أهمية الحوار في الحد من مظاهر الغلو والتطرف في المجتمع. ابن معمر: إستراتيجية جديدة لمركز الحوار الوطني تعتمد على تنسيق الجهود بين مؤسسات المجتمع والتنفيذ العملي للأفكار وسن التشريعات لنبذ العنصرية والتعصب والكراهية مركز الحوار الوطني في البداية تحدث الأستاذ "فيصل بن معمر" عن أبرز النتائج التي خلص إليها مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني في معالجة ظاهرة الغلو والتطرف في المجتمع، قائلاً: انطلقت رسالة الحوار عام 2003م الموافق 1424ه بمبادرة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حينما كان ولياً للعهد، مضيفاً أن رسالة الحوار تصب في صميم مكافحة الإرهاب والتطرف، مبيناً أن الحوار من الناحية الشرعية هو جزء من ديننا الإسلامي الحنيف بل ركن أساس، ذاكراً أن مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني يسعى إلى ترسيخ مبادئ الوسطية والاعتدال، وهذا هو المسار الذي نبحث عنه جميعنا في سبيل إيصال رسالتنا الدينية والتعليمية والثقافية والإعلامية، مشيراً إلى أن خادم الحرمين الشريفين عندما كان ولياً للعهد أدرك مبكراً حجم الانحراف والحياد عن مسيرة الوسطية والاعتدال في المملكة، رغم أنها تمتاز بقبلة المسلمين التي يتجه إليها أكثر من مليار وست مئة مليون مسلم بمعدل خمس مرات يومياً، ورؤية قيادتها الحكيمة والإنسانية، ووحدتها التي حصلت بعد ألف عام من العزلة - التي أسسها الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه -، والقوة الاقتصادية العظمى التي كسبناها، مما يحتم علينا أن يكون هذا المكان قدوة للجميع في أنحاء العالم بوسطيته واعتداله، ومعالجة ما يشبه الهوة الكبيرة بين التطورات المادية وبين ما حصل ثقافياً ومعنوياً في المجتمع. «فيصل بن معمر»: شعارنا في المركز: (ارتباط بالأصل واتصال بالعصر) وأضاف أن أسباب الغلو والتطرف في المملكة لا يجب أن نحملها ديننا؛ لأن رسالته واضحة، وتعاليمه ومبادئه أيضاً واضحة، مضيفاً أن المكانة الدينية والسياسية والاقتصادية للمملكة لا تحتمل الغلو ولا التحلل، مبيناً أنه ما يؤرقه كأمين لمركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني كيفية تعريف الوسطية وتحديدها، فالمتشدد أحياناً يرى بأنه وسطي، والمتحلل كذلك يرى أنه وسطي، ونحن هنا أمام نقطة تحتاج إلى بحث وتحليل أعمق. وأشار إلى أن أهم الأركان التي يجب أن نناقشها في قضية بناء الوسطية والاعتدال ومكافحة الغلو والتطرف هو دور المسجد والمدرسة والأسرة، فالمسجد يوضح تعاليم الإسلام ورسالة الأئمة والدعاة، ونحن في بلاد الغرب نفاخر كثيراً أنه يوجد اجتماع في الإسلام لا يوجد مثله في أي برلمان عالمي، وهو اجتماع كل جمعة الذي تصل فيه درجة الانصات إلى مراحل متقدمة، حيث جاء في الحديث: "من مس الحصى فقد لغى"، ويعني ذلك أنه لا يوجد أي ديانة أو ثقافة أو أي نظام مدني يستطيع الوصول بالانصات إلى هذه الدرجة في الحضور والاستماع، مؤكداً على أهمية البحث في رسالة المسجد والخطاب الديني، مبيناً أن المدرسة لها دورها في مجال التربية التعليمية، وكذلك الأسرة التي تعد الركن الأساسي في تربيتنا، وربما المجتمعات الأخرى تختلف عنّا في مصادر التأثير، لكننا نعتقد أنه من الضروري التنسيق بين هذه الرسائل الثلاث رسالة المسجد، ورسالة الأسرة، ورسالة المدرسة من أجل أن نعزز دور الوسطية والاعتدال ونصل إلى الطريق السليم في مكافحة الغلو والتطرف. د.فيصل حامد: المتشددون اختطفوا التعليم مبكراً وردة فعلنا لا تزال بطيئة..والأسرة هي الأهم! إشكالية الوعي وتداخل "أ. د. عبدالرحمن الزنيدي" معقباً على حديث الأستاذ "فيصل بن معمر"، موضحاً أن تقويم مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني يعتمد بالدرجة الأولى على قدرته على نشر ثقافة الوسطية والاعتدال مقابل الغلو والتطرف، مؤكداً على أن الاشكالية المجتمعية تجاه قضية التطرف كانت في الوعي، وتحديداً تجاه صورتين بارزتين، (الأولى) هي التطرف البيني، كون هذه الطوائف أو الجماعات تبدو جافية مستريبة كل منها من الآخر، ومن ثم كان مركز الحوار هو السبيل الذي دمج بينها، وحصل ذلك بشكل واضح في لقاءات الحوار الوطني الأولى، والصورة (الثانية) هي في اتجاه التطرف، وقد لا يكون حاضراً هذا المصطلح في ذلك الوقت لكنه في حقيقته هو المتعلق بقضايا ذات بُعد ديني أو سياسي، وكذلك بالوحدة الوطنية السياسية، مضيفاً أن المركز كان واعياً عندما كانت عناوين حواراته الأولى في قضية الغلو والاعتدال في مكة، والمرأة في المدينةالمنورة، ونحن والآخر في أبها، مبيناً أن الأخيرة خرجت برؤية سميت "الرؤية الوطنية في نحن والآخر"، حيث مثّلت منطقاً وسطياً مبنياً على الإسلام والمصلحة الوطنية، بمعنى أنه كرّس الحالة الوسطية التي تتجافى عن قضية التطرف من هنا أو من هناك، لافتاً إلى أن مسار مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني كان واعياً لأهدافه ومبرمجا أعماله لتحقيق تلك الأهداف، وأهمها محاربة التطرف. مركز للنخب! وعلّق اللواء متقاعد "د. فيصل حامد" على حديث "فيصل بن معمر"، مؤكداً على الدور الإيجابي لمركز الحوار الوطني، وجهوده المميزة في مواجهة ظاهرة الغلو والتطرف، مبيناً أن مشكلة المركز هي أن جهوده غير واضحة أو ملموسة في المجتمع ومؤسساته، خاصة للشخص العادي، وبالتالي على المركز أن يعيد استراتيجيته على أساس مخاطبة كافة شرائح المجتمع وليس النخب الثقافية فيه. توضيح وجهود وتداخل "د. فهد السلطان" معقباً على حديث "د. فيصل حامد"، قائلاً إن المركز منذ تأسيسه كان من ضمن أولوياته مواجهة ظاهرة الغلو والتطرف، ونشر مفاهيم الحوار والوسطية والاعتدال، وكانت هذه الرؤية تمثّل أهم استراتيجياته في المجتمع، والدليل أن اللقاء الثاني للمركز عُقد في مكةالمكرمة وناقش موضوع "الغلو والتطرف"، وبعد عشرة أعوام من ذلك اللقاء نعود الآن ونناقش هذا الموضوع في هذه الندوة بصورة أكثر تفصيلاً وتحديثاً، مضيفاً أنه أحضر التوصيات التي خرج بها لقاء مكة وكأنها تتحدث عن واقع اليوم، ولا تزال مهمة وممكن الإفادة منها، مشيراً إلى أنها شملت دعوة المؤسسات العلمية والشرعية للاتفاق على تحديد المفاهيم والمصطلحات ذات الصلة بالغلو مثل الإرهاب، وجماعة المسلمين، ودار الحرب، ودار السلام، والملاحظ أن هذه المصطلحات لا تزال ظاهرة موجودة أمامنا، كما أنها لا تزال عائمة وغير واضحة لجيل الشباب، ذاكراً أنه من التوصيات أيضاً الدعوة إلى تجديد الخطاب الديني بما يتناسب والمتغيرات المعاصرة في الفهم الواعي لأحوال العالم الخارجي والتعاطي معه بانفتاح ومتابعة وتفاعل، وكذلك التأكيد على رفض الفتوى الفردية في المسائل العامة التي تمس مصالح الأمة ومستقبليها مثل قضايا الحرب والسلم وأن يوكل ذلك للجهات المؤهلة للفتوى والارتقاء بمستوى أدائها وآليات عملها، إضافةً إلى ترسيخ مفاهيم الحوار في المجتمع السعودي وتربية الأجيال في المدارس والجامعات على ذلك، موضحاً أن من بين التوصيات تطوير مناهج التعليم في مختلف التخصصات على أيدي متخصصين بما يضمن إشاعة روح التسامح والوسطية، مُشدداً على أننا نحتاج بالفعل إلى إعادة تقديم تلك التوصيات مرة أخرى وإلى طرحها إلى المهتمين في المجال الإعلامي. د.السلطان: تنظيم (20) لقاءً فكرياً في المناطق للحد من تأثير التطرّف على الوحدة الوطنية وأضاف أن المركز أعلن عن إقامة أكثر من (20) لقاء فكرياً في جميع مناطق المملكة بعنوان "التطرّف وآثاره على الوحدة الوطنية"، كما تم مؤخراً تدشين برامج التدريب في أكاديمية الحوار التي تم اعتمادها من وزارة الخدمة المدنية، وهذا سيكون مشجعاً لكثير من شرائح المجتمع والموظفين بأن يلتحقوا بهذه البرامج التدريبية، مشيراً إلى أن المركز أقام تسعة لقاءات متخصصة منها موضوع الخطاب الثقافي السعودي، والتصنيف الفكري وآثاره على الوحدة الوطنية، وكذلك وسائل التواصل الحديثة وأثرها الاجتماعي والفكري، وهذه الموضوعات وغيرها تعزز من أهمية مراجعة الخطاب الديني، وإعادة تقويمه والاتفاق على مشتركات تجمعنا في تقديم هذا الخطاب سواء على مستوى الداخل أو على المستوى الدولي. اختراق الفكر المتشدد وأيد "د. فايز الشهري" ما ذكره "د. فهد السلطان"، مؤكداً على أن نشاطات مركز الحوار الوطني استطاعت أن تُشكّل أول اختراق للفكر المتشدد في المجتمع - الذي حاولنا أن نتحرك داخله بأكثر من صوت وأكثر من رؤية -، كما استطاع المركز أن يجمع التناقضات الفكرية تحت سقف واحد، وهي أول مرة في تاريخ المملكة تجتمع تلك التناقضات تحت مظلة رسمية يعبّر كل شخص من خلالها بشكل مؤسسي بديلاً عن الخلافات والتحزبات التي كانت للأسف الشديد وسيلة من وسائل دعم الغلو والتطرف داخل المجتمع. تاريخ الظاهرة وتناول اللواء متقاعد "د. فيصل حامد" تاريخ التطرف في المملكة، موضحاً أنه ظهر في السبعينيات من القرن الماضي الميلادي، وكانت هناك تحذيرات صدرت من مختصين وكتّاب عن أنشطة وأعمال كانت منافية للواقع الاجتماعي والسياسي والديني تحدث في المملكة، لكن للأسف لم يلتفت إليها أحد، ذاكراً أن ما كان يحدث في ذلك الوقت هو اختطاف المجتمع ومؤسساته، وتحديداً التعليم، مشيراً إلى أن ظاهرة التطرف ظهرت بشكل قوي بعد حرب الكويت، وحذر منها "د. غازي القصيبي" - رحمه الله -، وتعرض حينها إلى هجوم شرس، ثم جاءت أحداث 11 سبتمبر، وبدأنا العمل لمواجهة المشكة، ولكن كانت عبارة عن رد فعل؛ لعدم وجود التكاملية في توحيد الجهود التي يؤديها المركز مع المجتمعات الأخرى، خاصةً المؤسسات والجامعات، متسائلاً: ماذا عملت الجامعات والمدارس؟ ماذا صنعت الوزارات؟، ذاكراً تنامي ظاهرة التطرف في المجتمع كان متوقعاً؛ لأننا لم نعمل شيئاً، وأن ما تم عمله كان بطيئا جداً. وعلّق الأستاذ "فيصل بن معمر" على ما ذكره "د. فيصل حامد" من أن نتوءات التطرف التي حدثت في أيام تشكيل الوحدة الوطنية كانت نتيجة طبيعية لصدمة الثقافة فقط.. لا أقل ولا أكثر، وربما أدت إلى بعض الافرازات، لكن الدولة استطاعت التعامل معها بحكمة، ذاكراً أن التطرف بدأ ينتشر إقليمياً بسبب "الثورة الخمينية"، خاصة عندما بدأ تصديرها، حيث كان مشروعاً خطيراً أدى إلى تأجيج التطرف على مستوى المذهب وعلى المستوى السياسي ولا يزال. أسباب التطرف وقال "د. فايز الشهري" إن هناك أسبابا كثيرة لنشأة التطرف، وقد لا تكون مجتمعية بشكل كامل وإلاّ لحكمنا على الجميع بالتطرف، خاصةً أن هناك من أرجعه إلى المناهج المدرسية وطريقة التربية، ذاكراً أنه بحسب المتابعة العلمية على مدى عشرة أعوام في هذا المجال؛ فإن هناك أسباباً عامة وخاصة لكل شخص متطرف، مؤكداً على أنه لا يرى التطرف ظاهرة مجتمعية كاملة؛ لأن وسائل التعبير عنه هي من ضخمته، ولكن التطرف حتماً جزءاً من حقائق المجتمع البشري، وإنكاره في مجتمعنا أو المجتمعات الأخرى يعد مشكلة، بل إنه جزء من تكوين المجتمع المعاصر خاصةً في أوروبا وأمريكا مع بدء الهجرات واختلاط الثقافات والأديان، حيث يبحث كل شخص عن هويته وذلك باتخاذ طريقة التطرف من خلال جانبين مهمين هما الجانب العرقي والديني. وأكد "د. فهد السلطان" على أن مؤسسات التنشئة في المجتمع (الأسرة، المدرسة، المسجد، الإعلام) هي من تتحمل أسباب ظاهرة الغلو في المجتمع، وتحديداً أن هذه المؤسسات لم تعمل بشكل متكامل خلال الفترة الماضية، ذاكراً أن خطاب المسجد يختلف عن خطاب الإعلام كما يختلفان عن خطاب المدرسة، وهذا بلا شك أوجد نوعاً من الارباك لدى جيل الشباب والناشئة، مشيراً إلى أن عدم وجود هذه التكاملية والرؤية المشتركة التي تضم هذه الأطراف كانت من العوامل التي أدت إلى التطرف، مؤكداً على أن عدم وجود خطاب مشترك متكامل بين كل هذه المؤسسات قد يكون أحد العوامل المؤثرة، مُشدداً على أهمية وجود استراتيجية تجمع كل أطراف هذه المؤسسات مع بعض، وأن تكون لدينا رؤية مشتركة لأي مواطن نريد أن ينشأ في المستقبل، وأي قيم ومفاهيم نريد أن يحملها هذا الفرد. تنوع فكري وعلّق "د. فايز الشهري" على حديث "د. فهد السلطان"، موضحاً أن توحيد الخطاب الفكري لمحاربة التطرف لا يعني إلغاء التنوع؛ لأن التنوع الفكري يعد ثراءً للإنسان والمجتمع وثراء للدولة في عصر الحريات، متأسفاً أننا نجد بعض المؤسسات تتبنى خطاباً فكرياً واحداً وتريد الناس أن يفكروا بهذا المستوى وهذا غير صحيح، فالمطلوب أن أفكر بأكثر من طريقة لكن المنهج والهدف واحد، وتحديداً أن يكون المجتمع مسالماً ومطمئناً تتعايش مكوناته بشكل رائع. وقال إن المملكة تحتاج إلى مشروع فكري، وهذا الاتهام والاتهام المتبادل سيؤدي بلا شك إلى تفريغ فكري من "أيديولوجية" تحتاجها الدولة، مبيناً أننا نحتاج إلى "أيديولوجية" ومشروع فكري بحيث يكون مشروع دولة ومجتمع معاً، ونحتاج إلى أن لا تكون هناك "ايديولوجيا" لأطراف وتيارات تناقض مشروع الوطن، ذاكراً أن الاختلاف صحي والخلاف هو الذي يؤدي إلى التناحر والصراع، لذلك نحن الآن نتناقص ونتبادل الاتهامات مع من يختلف معنا، وهذا غير صحيح فلا بد أن تسمع المختلف؛ لأن هدف الحوار أن تسمع المختلف وليس المتفق، حيث نجد كثيراً من المؤسسات حينما تقدم المناشط فهي تأتي بالمتفقين ويتحدثون مع بعضهم وينتهي الحوار إلى لا شيء! وتداخل الأستاذ "فيصل بن معمر"، موضحاً أن المملكة لم تتأثر باستعمار، ولم تتأثر ب "أيديولوجيا" أحزاب وغيرها؛ لذلك نجد أن علاقة الدين بالسياسة واضحة وضوح الشمس في المملكة، وهي علاقة تكاملية، ذاكراً أن القضية لدينا هي قضية محسومة وتمنع التوجهات "الايديولوجية" المتطرفة التي تسعى إلى استخدام الدين من أجل الوصول إلى أهداف، مبيناً أنه في بدايات مهرجان الجنادرية قدمت مكتبة الملك عبدالعزيز مشروعاً فكرياً لتجديد الخطاب الديني ولم يقبل؛ لأنه غير مُستوعب خاصةً مع ذكر كلمة (تجديد)، إذ لم يكن المقصود مناقشة تجديد الثوابت لأنها واضحة وضوح الشمس، وإنما نتحدث عن المتغيرات التي ترتبط بالخطاب الديني والخطاب العصري الذي يحتاج إليه الشباب. الأسرة مغيّبة! وأكد اللواء متقاعد "د. فيصل حامد" على أنه لا يمكن أن نغيّر فكراً إلاّ بفكر، وتغيير الفكر لا يتم إلاّ عبر جيل أو جيلين، لكن ما نمر به من ظروف محلية واقليمية ودولية لا تسمح لنا أن نأخذ وقتاً لحسم مثل هذه القضايا، مُشدداً على ضرورة اتخاذ إجراءات سريعة، مشيداً بما ذكره الأستاذ "فيصل بن معمر" عن أهمية دور المدرسة والأسرة والمسجد، وتحديداً الأسرة التي هي في حالة غياب تام، حيث لم تعمل شيئاً، مضيفاً أن الستة الأعوام الأولى من عمر الإنسان هي المهمة، لكن الأسرة مغيّبة لسبب أو لآخر، متسائلاً: لماذا ظاهرة الغلو والتطرف متنامية لدينا؟ مجيباً لأن كل ما نتحدث عنه عبارة عن عموميات، وإلى الآن لم نسمع اعترافاً صريحاً أن لدينا ظاهرة تطرف سواء كان دينياً أو فكرياً. وعلّق "د. فايز الشهري"، قائلاً: "ظاهرة التطرف والغلو ليست بهذه التبسيط، حيث نجد الجيل الثالث من الفرنسيين وبريطانيا لم يدرسوا مناهج المملكة ويتلقوا العلوم الدينية من المنابر السعودية، وإنما عاشوا في مجتمعات حرة فكرياً واجتماعياً وسياسياً ومع ذلك فإنهم يشكلون نسبة مهمة من عناصر (داعش)، كذلك تونس تعد بلد الحريات الفردية والشخصية والخطاب الديني مغيّب بكافة أشكاله لمدة (40) عاماً ومع ذلك نجد حوالي ثلاثة آلاف شاب تونسي من الجيل الحالي ضمن عناصر (داعش)"، مضيفاً أنه لا يجب أن نقسو على مؤسساتنا، وأن نفرق بين من يصرخ ويزعج وبين من يصرخ ويتهم، وربما يستعدي، ويشتم، مشيراً إلى أنه لا يوجد لدينا شيء اسمه مؤسسة الأسرة، حتى نستطيع أن نتهمها ونضع عليها برنامج، وليس هناك وزارة اسمها وزارة الأسرة، وليست هناك مؤسسة اسمها مسجد، بل هناك خطباء على عدد من مساجد المملكة، لهذا إذا وضعنا الحلول والمشكلات تجاه الأسرة والمجتمع فلن نصل إلى حل! رسالة ومتغيرات وفي سؤال للزميل "د. أحمد الجميعة" عن مدى كفاية الجهود الذي بذلها مركز الحوار الوطني لمواجهة ظاهرة الغلو والتطرف؟ أجاب الأستاذ "فيصل بن معمر"، قائلاً: "عند تأسيس مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني اعتبر الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله - ذلك انجازاً تاريخياً، وقد أجمع المحللون على أن إنشاء مثل هذا المركز تعد فكرة استباقية، حيث وجد الحوار الوطني قبل أن يحتاجه المجتمع بعكس بعض الدول المجاورة التي فرضت حوارات سياسية بعد الأحداث والارتباكات الداخلية، لكن المملكة أعطت الحوار مساحة للتفكير بعمق لحل مشاكل المجتمع، مضيفاً أن الملك عبدالله فكّر في هذا الأمر باعتباره جسراً من جسور التواصل بين صانع القرار وبين المجتمع، وهذه مهمة جداً من أجل أن نوضح كيفية الحوار الوطني، وهناك شعار استخدمناه في فترة من الفترات ولم يخرج بالصورة المناسبة، والآن وضع على الواجهة في المبنى الجديد، حيث وضعنا أن (الحوار الوطني ارتباط بالأصل واتصال بالعصر)، وذلك ليرتبط برسالتنا الدينية وبمتغيرات العصر التي يجب أن نبحث عنها، ويجب أن نشجعها في خطابنا الديني والثقافي. وأضاف أن المملكة حققت إنجازاً كبيراً على المستوى العالمي في مكافحة الإرهاب، إلاّ أنه لم نبحث بسبب انشغالنا بمكافحة الإرهاب عن محاولة محاصرة محاضن التطرف والغلو، رغم أن ذلك في غاية الأهمية؛ لأن التطرف والغلو مثل "الفيروس" يكون كامناً وإذا وجد فرصة انتشر بكثافة، مما يصعب القضاء عليه بشكل كامل. وأضاف "د. فهد السلطان" على حديث الأستاذ "فيصل بن معمر"، مؤكداً على أن موضوع الغلو والتطرف من أهم التحديات التي تواجه المجتمع حالياً، ولذا توجه المركز إلى عمل (20) لقاء في جميع المناطق حول هذا الموضوع، وهذا دليل اهتمام، ولكن يبقى دور مؤسسات الدولة في تكثيف برامج التوعية، متأسفاً أن المواطن غالباً لم يع بعد حقيقة العلاقة بين التطرف والوحدة الوطنية. وأشار إلى أن التحدي الآخر هو الفضاء الالكتروني، وتحديداً شبكات التواصل الاجتماعي التي تمارس دور الاستقطاب والتجنيد ونشر الشائعات، مُشدداً على أهمية تقديم الحلول العملية لمواجهة هذه الظاهرة الخطيرة. كسر الحواجز وطرح الزميل "سليمان العصيمي" سؤالاً عن تراجع نشاطات ولقاءات مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني مقارنة ببدايات التأسيس، مؤملاً أن تكون اللقاءات العشرين المعلنة بداية جديدة للانطلاق، وأجاب "د. فهد السلطان"، قائلاً: "لا شك أن الحوار الوطني حينما بدأ في المملكة لم يكن موجوداً على مستوى المنطقة بهذا المفهوم، ومبدأ الحوار يمثل الرؤية الاستراتيجية للملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله-، مضيفاً أنه عند ظهور مفهوم الحوار الوطني في المملكة كان جديداً على المجتمع، لذلك حظي بمتابعة قوية جداً، خاصةً أن الإعلام وجد فيه مادة خصبة، لذلك أُفرد له مساحات كبيرة من أجل التفاعل معه، مبيناً أنه مع الوقت قلّت المتابعة الإعلامية حتى الموضوعات أصبحت قليلة؛ لأن الحوار الوطني بدأ بلقاءات فكرية ثم ناقش لقاءات تمس المواطن مباشرة مثل التعليم والصحة والتوظيف وغيرها، مشيراً إلى أنه حالياً أصبح الحوار شيئاً طبيعياً، وهذا الأمر واضح من خلال مشاركة الأفراد في المجتمع، حيث انكسرت الحواجز بسبب كثرة التقاء المواطنين بكل مشاربهم واتجاهاتهم الفكرية. تطرف عكسي وتساءل الزميل "د. أحمد الجميعة" عن مبررات الشخصية المتطرفة في المجتمع، وأجاب اللواء "د. فيصل حامد"، قائلاً: أعتقد أن الشخصية المتطرفة لديها نقص واضح، وهناك ثغرات موجودة في حياتها، وبالتالي تسعى إلى تعويض النقص، أو أن لديها طموح لم يتحقق أو أنها تشعر بالظلم، مضيفاً أنه ليس من السهل أن تحكم على شخص بأنه متطرف، مبيناً أن أكثر من يكتشف الأفكار المتطرفة هي الأسرة؛ لأنها تُعد المسؤول الأول، حيث تستطيع أن تكتشف ابنها وابنتها، ذاكراً أنه لو كان هناك متابعة دقيقة للأسرة للابن أو البنت فإن ذلك سيحد من التطرف كثيراً، مشيراً إلى أنه لا يجب التركيز على أن التطرف والغلو من ناحية الدين فقط، بل هناك تطرف آخر عكسي، والذي شكّل فجوة وعدم ثقة. «الغلو» حالة نفسية لمن يشعر بالظلم أو طموح لم يستطع تحقيقه! أوضح "أ.د.عبدالرحمن الزنيدي" أن الغلو في حقيقته وإن بدا فكرياً أو دينياً أحياناً أو ذا منحى سياسي هو في حقيقته نفسي، فالغلو أو التطرف الذي ينتهي دينياً بالتكفير وغير ديني بالإقصاء والتصفية هو في حقيقته حالة نفسية، مضيفاً أنه يتمثل بشخص يشعر بالظلم الذي وقع عليه، أو طموح لم يستطع تحقيقه، ثم يستقطب معه أناساً، أو يميل هو معهم، ثم شيئاً فشيئاً تظهر مطالبهم علانية، ثم ترتفع أصواتهم حتى تصبح لغة مضادة لمصلحة المجتمع بدعوى الاصلاح، ثم يصبح كل واحد منهم نافراً من الدولة ومن المجتمع ككل، مؤكداً على أن العاطفة لعبت دوراً كبيراً في التطرف، فحينما بدأت الصحوة الإسلامية صار روادها ذوي منحى عاطفي بمعنى أن أكثرهم وعاظ والقليل منهم علماء!. وقال:"تعددت في الآونة الأخيرة مصادر المعلومات التي كانت في السابق محدودة بين الشباب، وزاد معها انفتاح إعلامي وانفجار اتصالي؛ مما جعل المصادر متنوعة، وأصبح الإنسان يتجاوز مصادره المحلية ليجد شيئاً يتماشى مع تطلعاته ومطالبه، أو يجيب عن بعض تساؤلاته، مما يجعله يندفع"، موضحاً أن اندفاعه هنا إلى المصادر الخارجية معناه تمرد على الداخل تلقائياً، مشيراً إلى أن حركة التمرد هذه لا تقف عند حد معين؛ لأن طبيعة الإنسان لا يستطيع أن يعيش مفرداً معزولاً ومستقلاً. وأضاف أن الإنسان لابد أن يعيش مُحتضناً من تيار، أو من قبل جهة أو جماعة أو حزب، وبالتالي إذا خرج عن هذا المجموع يعد تمرداً على الحكم والحضن الداخلي؛ بحثاً عن أحضان أخرى يرتمي فيها ويتقوى بها ويشعر بولائه لها وبولائها له. وأشار إلى أن من العوامل التي ساعدت على التطرف حالة عشناها في الأعوام الأخيرة في المجتمع السعودي تحديداً، فقد كان هناك علماء كبار ثقات كانت كلمتهم لها هيمنة وسيادة على من تحتهم من الدعاة ومن ثم من تحت هؤلاء من الاتباع، ثم تفانى هؤلاء العلماء مثل "ابن باز" و"ابن عثيمين"، وفي الوقت نفسه حصلت حالات من التقلبات لدى كثير من الرواد، وهو ما أدى إلى حالة ارتباك لدى هؤلاء الاتباع من الشباب، مما جعلهم صيداً سهلاً. الشخصية المتطرفة.. نظرة اتهام و«مشايخ على كيفي»! كشف "أ.د. عبدالرحمن الزنيدي" عن مظاهر الشخصية المتطرفة، موضحاً أنها تتمثّل في مجتمعنا بصور عدة، ومن مظاهرها الكبرى هو ما يبدأ بقضية "النظرة الحادة إلى الآخر"، وتأخذ العديد من الصور، منها النظرة المتهمة للآخر، بحيث يجعل هذا الشخص نفسه هو الإسلام، أي لا يجعل الإسلام قضية نظرية فوقه وهو تحتها والآخر تحتها أيضاً، وبالتالي إذا اختل شيء من مواصفات هذا عن مواصفاته اعتبره خارجاً من الإسلام لا مخالفاً له. وقال إن من صور الشخصية المتطرفة اختيار الدعاة المتشددين التي تناسب رؤيته، مبيناً أنه عندما يسأل شاباً "لماذا ذهب إلى مواقع الفتن والقتال؟"، يقول: "سألت الشيخ الفلاني وأفتاني بالجواز"، وعندما يقال له: "الشيخ الفلاني أقرب وهو في المكان الذي جئت منه ويدرّس في المسجد الذي بجوارك.. لماذا لم تذهب إليه؟"، فإنه يُجيب: "أعرف لو ذهبت إليه سيقول لي: لا تذهب للقتال"، إذن هناك عملية اصطفاء يمارسها هؤلاء انطلاقاً من هذه الحالة التي يعيشونها وهي حالة الغلو والتطرف. وأشار إلى أن هناك صوراً أخرى للتطرف، وهي إرضاء الذات، عبر قتل الآخرين سواء كان معنوياً أو مادياً كما ظهر في الصور التي بُثت، مضيفاً:"المتطرف لديه استراتيجية تشدد، ونحن للأسف ليس لدينا مشروع استراتيجي للتعامل معه"، مستدركاً:"صحيح هناك محاولات، لكن ليست هناك استراتيجية أمام هذا المشروع المتطرف، بينما العالم المتقدم الآن يعيش على استراتيجيات"، مؤكداً على أن المشكلة ليست في الجماعات المتطرفة في الخارج، وإنما في وجود صدى لتلك الجماعات في الداخل، وهذا هو الأخطر بالنسبة لنا، والأخطر في وجود تعاطف يتنامى حتى يصبح عامل جذب وجر من المجتمع لتلك الجماعات، وإلاّ فإنها كالنار ستبقى مضرمة وإن اقتربت مادياً تستطيع الدولة أن تتصدى لها وتكسر شوكتها، لكن الاشكالية حينما يحدث خلل في الداخل لديك!. المشاركون في الندوة معالي الأستاذ فيصل بن معمر أمين عام مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني أ. د. عبدالرحمن الزنيدي أستاذ الثقافة الإسلامية بجامعة الإمام وباحث في قضايا الأمن الفكري د. فايز الشهري عضو مجلس الشورى وباحث في قضايا الإرهاب د. فهد السلطان نائب أمين مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني اللواء متقاعد د. فيصل حامد باحث ومختص في الشؤون الأمنية شعارات دينية انتهت إلى فوضى سياسية! أكد "د. فايز الشهري" أن التطرف الديني هو الغالب -من بين أنواع التطرف الأخرى-، وذلك لأسباب أهمها التناقضات الفكرية وصراع المصالح في المنطقة العربية، ذاكراً أن الغريب في شعارات التطرف الفكري أنها ليست شعارات دينية واضحة، وإنما شعارات سياسية أكثر وضوحاً وصراحة. وقال:"لو أخذنا شعار (القاعدة) نموذجاً وهو إخراج المشركين من جزيرة العرب؛ لوجدنا الخطاب نفسه مع حركة (داعش) التي تكفّر المجتمعات المسلمة باعتبارهم مرتدين وتستحل دماءهم وأموالهم وأعراضهم"، مبيناً أن تنظيم "داعش" عندما استطاع اكتساب أرضية ثقافية وجغرافية أصبح الهدف سياسياً بإعلان دولة الخلافة، ومتزامناً مع الاحباطات السياسية في كثير من المجتمعات العربية. وأضاف:"لو لاحظنا تلك الدول التي تفشّت فيها ظاهرة الفتن والتطرف والتعصب الطائفي والاقتتال في العالم العربي؛ لوجدناها دول تكونت تكويناً سياسياً على طاولة عسكريين، حينما سُلمت كمستعمرات وقُسمت تقسيماً طائفياً ومذهبياً ومناطقياً كقنابل موقوتة، وعندما قفز العسكر إلى السلطة لم يكن الحُكم منتجاً مجتمعياً، وإنما هو حكم فُرض إما بالدبابة أو بوديعة مستعمر، وبالتالي حينما لاحت الفرصة في عصر الاتصال أن تنهض هذه المجتمعات انتفضت، وإن كانت الشعارات دينية، بدليل أنه حينما مُكنت بعض الدول على أن يكون الشعار الديني على شكل حزب وحكم مثل مصر وتونس لم ينجح هذا النموذج؛ لأنه لم يكن وفق: (إن تنصروا الله ينصركم)". أبطال «تويتر» ينكشفون على طاولة الحوار..! أوضح الأستاذ "فيصل بن معمر" أن هناك من يؤمن بصناعة الفردية في خطابه ويشعر بنشوة أن يكون له أتباع وتوجهات خاصة، ونراهم مثلاً في "تويتر"، مؤكداً على أن هؤلاء لا يحبذون الحوار، والجلوس على طاولته، لأن الغالبية في الحوار تهزم أفكاره التي يريد أن يكوّن فيها أتباعه، داعياً إلى تشجيع الغالبية الصامتة التي تشكّل نسبة عظمى من المجتمع بايصال أفكارها بطريقة عملية وأن تكون قادرة على مكافحة التطرف عبر الحوار. وقال: "من يبحث عن بطولات فردية ينكشف على طاولة الحوار؛ لأن هذه الطاولة تعد من أفضل الأساليب لمكافحة الأصوات المتطرفة، وعندما نجتمع عليها ويتحدث شخص بتطرف فلا أعتقد أنه يملك الشجاعة لمواجهة أصوات الاعتدال والوسطية"، مضيفاً أنهم في المركز قطعوا وعداً على أنفسهم بقيادة الشيخ "عبدالله المطلق" -رئيس مجلس الأمناء لمركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني- أن لا نُنظّر أكثر من اللازم، ذاكراً أن هناك تنسيقاً بين عدة جهات يقوده المركز بشأن تجديد الخطاب الديني والثقافي والتعليمي والإعلامي منعاً للتصادم، أو التداخل، مؤكداً على أن ضعف التنسيق بين مؤسسات المجتمع نتج عنه فوضى فكرية خطيرة، مما أدى إلى الارتباك الشديد وسط الجيل الحالي، وما نراه الآن من "حركات داعشية" كان بسبب هذه الفوضى ونخشى مما هو أخطر من ذلك إذا لم نتكاتف جميعاً. انتهى وقت «التنظير» وحان وقت العمل..! قال الأستاذ «فيصل بن معمر» إن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله- أراد أن يكون مركز الحوار الوطني منسقاً ومحركاً للعصف الذهني للأفكار وتقريب المسافات في القضايا المتفق عليها، ذاكراً أنه خلال عشرة الأعوام الماضية تم التركيز على أن يكون الحوار طبعاً من طباع المجتمع السعودي، وأن يكون أسلوب حياة، ونشر ثقافة الحوار، وأن يدخل الحوار كل منزل، لافتاً إلى أن المطلوب خلال الأعوام المقبلة هو الانتقال إلى مرحلة التنفيذ العملي، وعدم الإكثار من التوصيات والتقليل كذلك من الآراء النظرية؛ لأن المؤتمرات الكثيرة التي تم تنظيمها استنفدت جهوداً مالية ووقتاً كبيراً، كما أن الوقت الحالي ليس وقتاً لتكرار التوصيات والأفكار التي صدرت وتكدست بها الأدراج، وهي اصدارات وقرارات لا تحتاج إلى إعادة إصدارها مرة أخرى في بيانات أو اقتراحات. وأضاف أن المأمول خلال عشرة الأعوام المقبلة من مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني أن يساعد في توجيه الجهات صاحبة الرأي في هذا المجال، خاصةً مجلس الشورى، من خلال تبني تشريعات وأنظمة تتعلق بنبذ العنصرية والكراهية والتطرف، وغيرها من القضايا التي يجب أن يكون لها ضوابط يمنع الشخص أن يسل سيفه الفكري أو الثقافي أو الخطابي ويذهب إلى أي مكان ثم يبدأ يكفِّر ويفسِّق، وهذه خطوة ضرورية، مُشدداً على أهمية تجهيز أفكار قابلة للتطبيق وتفعيلها من خلال اللجان العملية. ما هو المطلوب في هذه المرحلة..؟ * فيصل بن معمر: - مشاركة مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني في تعزيز المواطنة، وترسيخ قضايا الحقوق والواجبات، إضافةً إلى العمل على تفعيل الأنظمة والتشريعات بتعزيز قيم الحوار ومكافحة العنصرية والمذهبية والسيطرة على الكراهية، والتنسيق والتفعيل بين الجهات. * د. فايز الشهري: - الشباب يحتاج إلى إعادة بناء الوعي، لأن الجهود التي سبق وأن عُملت للجيل الماضي انتهت، وهناك من تراجع عن قناعاته وهناك من تعرض لمحكوميات، مضيفاً أن هناك تراخياً في المواجهة من بعض المؤسسات بسبب الصدمة، حيث كنّا نتربى على أن هذا الشخص هو القدوة وهو رجل متدين، فحينما يأتي رجل الأمن ويوجه سلاحه لهذا الشيخ والأستاذ والقدوة لم نستطع استيعاب ذلك في بدايات الصراع، ومن هنا نجد أنه استلب منّا أغلى ما نملك، مبيناً أنه لا ينبغي أن ننشغل بمحاكمة المجتمع وفئاته؛ لأننا لو أردنا أن نكون شركاء للمستقبل وانشغلنا بتبادل الاتهامات بين التيارات الليبرالية والإسلامية فلن نتقدم إلى الأمام، مشيراً إلى أن التطرف ظاهرة اجتماعية مرافقة للمجتمع الإنساني طوال تاريخه، وأن كلمة القضاء وكلمة الاجتثاث وكلمة الالغاء هذه كلمات رومانسية ورائعة ولا تصح مع الظواهر الاجتماعية، مؤكداً على أن هناك فئة في كل مجتمع ستبقى عبر تاريخها ومسيرتها تناكف المجتمع وتخالفه وتتحدث في الشوارع الخلفية عن مشكلاتها، بل وتنشئ جماعات تحاول أن تناكف الجماعات الرسمية، لافتاً إلى أهمية تحول الحوار إلى ثقافة مجتمع وبرامج ومؤسسات وطنية، إضافةً إلى ضرورة تطوير مسودة المشتركات الوطنية مثل هوية الدولة ونظام الحكم. * أ.د. عبدالرحمن الزنيدي: - المطلوب أن نكون على مستوى العصر، بأن نعيشه ونتفاعل معه بما يطلبه ويحتاجه منّا، كذلك ينبغي أن نكون واقعيين، ومن ذلك أن ندرك أن المجتمع السعودي مجتمع متدين من الأعماق، وبالتالي يجب أن يتعاطى معه على هذا الأساس، إضافةً إلى أهمية أن يكون هناك نوع من الامتزاج، حيث اجتهد مركز الحوار الوطني في ذلك المجال، لكنه ظل في دائرة النخبة، إلى جانب أن يكون هناك تقارب في إطار المجتمع السعودي بكل أفراده، بحيث لا يتجاوز التصنيف حدود التعريف إلى حدود الأحكام واصدارها من الأطراف المتبادلة. * د. فهد السلطان: - نحتاج إلى إعادة التنشئة الثقافية، بحيث تأخذ في معطياتها هذه المتغيرات في مجملها سواء كان التغير الاجتماعي أو الثقافي، كذلك لابد من الارتباط بالأصل والاتصال بالعصر، إضافةً إلى أهمية إشراك المؤسسات الدينية لمعالجة التطرف بالاستعانة بالدعاة وأئمة المساجد والعلماء الشرعيين، مع الدعوة إلى الوسطية والاعتدال والتسامح، إلى جانب أهمية إعادة ما يتوفر لدينا، وأن ننتقل من هذه الأطر النظرية إلى الجوانب التطبيقية والتنفيذية. * اللواء متقاعد د. فيصل حامد: - نحتاج إلى رؤية استراتيجية لإعادة دور الأسرة في بناء المجتمع، وتعزيز حضور المرأة التي تعطي صورة ضد التطرف، كذلك التركيز على التعاملات وليست على العبادات. الزميل الغامدي متسائلاً: كيف حاربنا التشدد ثم ذهب بعض شبابنا للقتال مع الجماعات الإرهابية؟ تداخل الزميل "سالم الغامدي"، موضحاً أنه رغم الجهود التي بذلتها الدولة بجميع قطاعاتها لمواجهة الأفكار الضالة والمتشددة، إلاّ أن بعض الشباب مازالوا يتجهون إلى مواقع الأحداث في سورية والعراق للانضمام إلى "داعش" وغيرها، بل إن هناك أصواتاً من الداخل تنادي بتجنيد الشباب للانضمام إلى الجماعات الإرهابية، كما أن هناك بعض الخطباء ما زالوا يدعون في خطبهم إلى التطرف، وكذلك في حساباتهم على "تويتر"، والسؤال: هل هذا دليل فشل في الجهود التي بُذلت؟ أم أن التأثير الخارجي كان أقوى؟ أم أن هناك قناعة لدى الشباب أن الرسالة لم تصل، أو لن تصل بهذه الطريقة التقليدية؟، أم ماذا..؟ { د. الشهري: لأننا تجاهلنا جيلاً نشأ في أحضان «الإنترنت» ويعيش صراع الذنب والتوبة { د. الزنيدي: فشلنا في المواءمة بين عصرنا وديننا! وأجاب "د. فايز الشهري"، قائلاً: "في اعتقادي أن كل جيل له خصائص نفسية واجتماعية وثقافية وتعبئة وجدانية، وأن كل الجهود التي بُذلت منذ الحادي عشر من سبتمبر كان يشاهدها جيل مختلف عن الجيل الحالي"، مؤكداً على أن معظم الجهود كانت تتم بالوسائل التقليدية عبر التلفزيون وعبر الصحافة والمدارس، وعبر الخطاب التقليدي الوعظي، وهو الخطاب الذي شحن الشباب بالأفكار، لنحاول إعادة توظيفه بشكل أو بآخر. وأضاف أننا نسينا جيلاً كاملاً نشأ في أحضان "الانترنت"، ثم جاءت المصيبة الكبرى أن أصبحت هذه الوسائل هي المعبئ الفكري والوجداني، مبيناً أن هذا التحول ليس له علاقة بكل أدوات التصحيح وأدوات الاستقطاب، بل له علاقة ببناء الشخصية، حيث نجد أن الشخصية الفردية لدينا سهل استلامها؛ لأنها لم تترب في المحاضن الطبيعية، ولم ترجع إلى المراجع الفكرية التي عاش عليها الأجيال السابقة، والتي لم تقرأ الصُحف، ولم تُشاهد القناة التلفزيونية، ذاكراً أن الجيل الجديد يعيش في عالم افتراضي متكامل، وهذه هي الأسباب التي أدت إلى تكوين أجيال جديدة تأتي من خلال هذه الشبكات من الواقع الافتراضي إلى الطبيعي بعدة أحلام وإحباطات يحاول أن يطبقها على أرض الواقع. وأشار إلى أننا بدأنا نُلاحظ وللمرة الأولى الجماعات المتطرفة التي تقاتل المسلمين، ويتفاخرون بقطع الرؤوس وجزها، وتطبيق أحكام لا ترتقي إلى الشريعة، بل ويعلقون الناس على مشانق في جميع المدن التي يسيطرون عليها، مؤكداً على أن هذه ظاهرة "سينمائية" من "هوليوود" وليس لها أصول شرعية. وقال إن المصيبة الأخرى التي أصابت الجيل الحالي هي أن الإحباط السياسي والاقتصادي والاجتماعي أصبح جزءاً من الحلول، مضيفاً أن الخطاب الوعظي جعل الشاب يعيش يومه على مدار (24) ساعة في مدار الذنب والتوبة، وهذا الصراع بين الذنب والتوبة جعله يلجأ إلى شخص ينقذه ليذهب به إلى الجنة مباشرة دون أن يكون هناك عمل مباشر سواء كان شرعياً أو دينياً أو خدمة المجتمع، مُشدداً على أن الخطاب الوعظي لدينا مثالي جداً يتطلب وجود شخص من العشرة المبشرين بالجنة بصفاته وكماله -حسب قوله-. وأضاف أن الجيل الحالي يعيش حالة من التناقض بين ما يسمعه من الخطاب الديني والوعظي في المساجد والمدارس وفي الفتاوى، وبين ما يشاهده على القنوات الفضائية من حب وغزل وفتيات جميلات يتمايل معهن وما إلى ذلك ثم يعاقب عليها في الشارع، كذلك يشاهد أن التلصص إلى البنات هي مشكلة اجتماعية ودينية، لكنه يشاهد ويستمع إلى والده وجدّه في المنزل ينشدان قصائد الغزل التي تصف المرأة من رأسها حتى أخمص قدميها! وأشار إلى أن هذا التناقض يولد شخصية مهزوزة لا تعرف ماذا تريد؟ وحتى يستطيع أن يهرب من هذه الذنوب ويتوب، يذهب إلى مناطق الصراعات ويفجّر نفسه؛ لأنه ضحية هذا الخطاب الذي يريد أن يجعله ملاكاً وهو في الأصل بشراً. وتداخل "أ. د. عبدالرحمن الزنيدي"، قائلاً: "التطرف كان متوقعاً مثلما ذكر اللواء د. فيصل حامد"، وسببه نحن والمجتمع، مبيناً أن هناك خللا لدينا في المجتمع، علماء ومسؤولين ومثقفين ودعاة، ذاكراً أن هذا الخلل يتعلق بالصحوة الإسلامية، حيث كان هناك إهمال واضح لتداعياتها، بل وتركنا الأمر مفتوحاً تماماً، وعندما حدث الإشكال أغلقنا الشيء تماماً، فمثلاً نترك في شارع ما أربع فتحات، وإذا حصل فيه حادث ومات فيه شخص أو أشخاص أغلقنا الفتحات جميعها، متأسفاً على أننا تعاملنا مع الكثير من القضايا الفكرية بنفس هذه الطريقة، لافتاً إلى أننا في مجتمع متدين بشكل مُركز وهذا لا يختلف عليه أحد، وانفتحنا على العصر وهذا شيء ضروري أيضاً، لكن المشكلة أنه كان لدينا عجز واضح في المواءمة بين عصرنا وبين ديننا، وهو ما نتج عن عدم استيعاب العلماء الشرعيين للعصر في الإطار الديني، وكذلك عجز المثقفين عن مواكبة معطياته مع واقعهم ولمصلحة المجتمع، مما أوجد حالة من الارباك، ثم حالة تجاوز، وبالتالي حالة قفز من الواقع الذي يعيشونه إلى واقع الماضي. وأشار إلى أن قضية الجهاد مسألة نظّرها العلماء المسلمون في العصور الأولى من الفتوحات الإسلامية في ضوء واقع معين كانوا يعيشونه، مضيفاً أن الوضع الحالي تغيّر تماماً، حيث أصبحت هناك منظمات واتفاقيات دولية، وحدود لكل دولة وجنسية ومواطنة، وهي قضايا لم تكن موجودة في ذلك الوقت، وكان هذا يقتضي أن تصاغ السياسة الشرعية الجديدة بشكل يكون مبنيا على الشريعة، بحيث إذا جاء الشاب ليعرف الجهاد وجد أمامه هذه الصياغة التي تجيب عن أسئلته، وبالتالي لا يقفز إلى الجهاد بصورته التي وضعت في ذلك العصر، مضيفاً أن تلك الحقيقة إشكالية علينا لزاماً تحمل نتائجها. حضور الرياض سالم الغامدي سليمان العصيمي د.أحمد الجميعة عماد العباد محمد الغنيم محمد المرزوقي علي الزهيان فواز السيحاني طلحة الأنصاري