بعد أكثر من عقدين ونصف من الزمان في منصبه كرئيس لاتحاد الكتاب العرب سلّم علي عقلة عرسان الراية، أخيرا، إلى الدكتور حسين جمعة الذي فاز في انتخابات الدورة السابعة للمؤتمر العام لاتحاد الكتاب العرب الذي عقد في دمشق في 1/9/2005 م، والتي وصفت بأنها كانت «حرة ونزيهة»، ليتسلم جمعة رئاسة الاتحاد وهو مفعم بالأمل والرجاء في أن يواصل تحقيق الإنجازات في هذه المؤسسة العريقة التي باتت تحتل مكانة مرموقة في المشهد الثقافي السوري خاصة والعربي بصورة عامة. لم يشأ جمعة أن يغفل أو يتغافل عن الجهود التي بذلها سابقه عرسان في رئاسة الاتحاد، فقد قدم الأخير - باعتراف جمعة - خدمات جليلة للأدب والفكر والمعرفة، وهو كرس سنوات طوالا من عمره للارتقاء بعمل الاتحاد ساعيا إلى تفعيل دوره في الجانب الإبداعي وتوظيف الكتابة لخدمة القضايا السياسية العربية عبر تسليط الضوء عليها والدفاع عنها بالكلمة الصادقة، أو عبر ما يعرف ب «الأدب الملتزم»، الأمر الذي دفع ببعض الكتاب المستقلين إلى وصف الاتحاد ببوق «دعائي أيديولوجي» لا يقدم الإبداع في صورته النقية، البعيدة عن ألاعيب السياسة. غير ان للمسؤولين في الاتحاد رأيا آخر فهم يرون انه وفي ظل هذه الهجمة الشرسة التي تتعرض لها الأمتان العربية والإسلامية فلابد من ان يكون للأديب موقف واضح يدحض من خلاله تلك المزاعم الباطلة، ويبرز، في الآن ذاته، عدالة القضايا العربية، وهذا ما يشير إليه جمعة في حواره ل «الرياض» إذ يقول بان للاتحاد «ثوابت وطنية وقومية وأخلاقية وإنسانية ومن لا يستطيع الالتزام بهذه الثوابت لا يمكن لنا ان نستقبله في الاتحاد»، لافتا إلى ان «الاتحاد على استعداد لاحتضان جميع الكتاب في سورية والعالم العربي شريطة الالتزام بالقضايا الوطنية والقومية، والإيمان بقيمة ودور الأدب والفن في الارتقاء والنهوض». حسين جمعة هو من مواليد مدينة يبرود (شمال دمشق) 1949م، حاز الثانوية العامة في مدينة دمشق سنة 1967م، ثم انتسب إلى معهد إعداد المدرسين فنال شهادته قبل ان ينتسب إلى كلية الآداب في جامعة دمشق لينال الإجازة في اللغة العربية سنة 1978م، ثم دبلوم الدراسات العليا فالماجستير، وهو حاز على شهادة الدكتوراه في الآداب، قسم اللغة العربية من جامعة دمشق العام 1987 م لينتسب إلى الاتحاد مطلع التسعينيات. وقد حباه الله، خلال مراحل دراسته، بكوكبة فريدة من علماء الشام فراح ينهل من معين علمهم ما استطاع مثل: د.شاكر الفحام، د.محمد إحسان النص، الأستاذ المرحوم عبد الهادي هاشم، د.عبد الكريم اليافي، د.عبد الكريم الأشتر، د.محمود الربداوي، د.مازن المبارك، والأستاذ المرحوم د.أحمد راتب النفاخ...وغيرهم. وهو يعمل منذ العام 1983 أستاذا للأدب القديم في جامعة دمشق، وكان أستاذا معاراً إلى جامعة قطر لمدة خمس سنوات في التسعينيات. شغل منصب رئيس تحرير مجلة جامعة دمشق للآداب والعلوم الإنسانية، كما ترأس فرع دمشق لاتحاد الكتاب العرب منذ العام 2003 وحتى تسلمه مؤخرا رئاسة الاتحاد. أشرف على العديد من رسائل الماجستير والدكتوراه، وحاز شهادات التقدير من مختلف الجامعات والمعاهد العلمية العربية، والعالمية. اصدر جمعة كتبا كثيرة منها: «الخطابة في أدب صدر الإسلام، الحيوان في الشعر الجاهلي»، «الرثاء في الجاهلية والإسلام»، «قراءات في أدب العصر الأموي»، «في جمالية الكلمة»، «الملل والنحل للشهرستاني - عرض وتعريف»، «ابن المقفع بين حضارتين»، «المسبار في النقد الأدبي»، «نصوص من الأدب المعاصر»، «جمالية الخبر والإنشاء»، «التقابل الجمالي في النص القرآني» ...وغيرها، فضلا عن عدة مخطوطات قيد النشر منها: «مدارات أدبية من العصر الجاهلي»، «الهوية والانتماء في الشعر الجاهلي»، «فكرة الزمن في الثقافة العربية القديمة». لدى الحوار معه تكتشف بأنك إزاء رجل مليء بالخبرة والتجربة، وهو متواضع تواضع العارف، ومتبحر في التراث العربي ولا سيما الشعري. رحّب، في مكتبه، بجريدة «الرياض»، ومد يده لمصافحة مندوب الصحيفة، بابتسامة حيية، صادقة، معربا عن سعادته ورضاه لهذه اللفتة. فيما يلي نص الحوار: ٭ ما هي المقترحات والتصورات والأفكار التي تدور في ذهنك مذ تسلمت رئاسة هذا الاتحاد، وما هي أولوياتك في هذا المنصب؟ - كل ما يدور في ذهني يتمحور حول كيفية تطوير هذا الاتحاد ليصبح اتحادا ثقافيا فكريا يستقطب الكتاب والأدباء من مختلف المشارب والمرجعيات في الساحتين العربية والمحلية، وان ينطلق إلى آفاق العالمية سواء من خلال النتاجات الأدبية والفكرية التي يقدمها الأعضاء، أو من خلال ما ينشر من الدوريات والمجلات والصحف العديدة التي يصدرها الاتحاد. فالأولوية الأساسية تتمثل في أن نسعى إلى تفعيل دور الاتحاد والبناء على ما سبق والإضافة إليه وإبراز الوجه الناصع لهذه المؤسسة الثقافية الفكرية التي نعمل لأجل تكريس مبدأ المساواة فيها بعيدا عن التعصب والانغلاق. ٭ ما هي الآليات المقترحة لتجسيد هذه الأفكار والتصورات الطموحة؟ - وضعنا آليات جديدة سعيا إلى تجسيد الآمال التي تعتمل في صدورنا، ففي مجال الدوريات التي يصدرها الاتحاد، مثلا، وضعنا خطة محكمة بغية تنشيط دور هذه المجلات والمطبوعات مثل صحيفة الأسبوع الأدبي، ومجلة التراث العربي، ومجلة الآداب الأجنبية، ومجلة الموقف الأدبي، ومجلة الفكر السياسي، ومجلة الأدب العربي التي تترجم إلى اللغتين الإنكليزية والفرنسية وغيرها من مطبوعات الاتحاد، وقد أصدرنا توجيهات بضرورة فتح منافذ عدة للمواهب الشابة والسعي الجاد إلى استقطاب الأقلام المتميزة في إطار موضوعي محايد، واعتماد تنوع المواد المنشورة في إطار العدل والإنصاف وفق منهج موضوعي وعلمي ومعرفي بعيد عن الهوى والعصبية. وأصدرنا كذلك تعليمات بضرورة إيلاء العناية بمواكبة الحركة الثقافية والمعرفية والأدبية والفنية على الساحة المحلية والعربية والعالمية، وفق منهج كل دورية، والسعي الدؤوب إلى وضع الرؤى الكفيلة بارتقاء كل دورية لتصبح في مصاف الدوريات الأكثر رقيا من ناحيتي الشكل والمضمون، والعمل على تخصيص ملفات للأجناس الأدبية أو الفكرية أو لشخصيات على ان تتناسب هذه الملفات ونهج كل دورية بما يخدم الثقافة العربية وآدابها وقضايا الأمة، كما عملنا على زيادة أجور النشر في الدوريات لتصل إلى حوالي 100 دولار أمريكي للمادة الواحدة، ولك ان تتصور القرارات والتوصيات والتوجيهات المتخذة في المجالات الأخرى كالنواحي الإدارية ومسألة نشر الكتب، وإقامة الأنشطة والمهرجانات الثقافية والمحاضرات والعمل على توسيع ملاك الاتحاد وغيرها من المسائل. ٭ بخصوص توسيع ملاك الاتحاد الذي أشرت إليه الآن، ما هي التصورات المقترحة؟ - لعلك تعلم بان اتحاد الكتاب العرب هو الاتحاد الوحيد الذي يضم في عضويته كتابا من مختلف الأقطار العربية مثل الأردن، ولبنان، ومصر، وتونس والمملكة العربية السعودية وفلسطين وغيرها، ولهؤلاء الأعضاء حقوق وعليهم واجبات ما لأعضاء الاتحاد من داخل القطر من حقوق وواجبات، واعتقد ان استقطاب أسماء عربية من خارج سوريا يتطلب دعم الاخوة الكتاب العرب وحماسهم للانخراط في الاتحاد وتقديم المساهمات العلمية والمعرفية والفكرية، وكل ما أستطيع قوله هو أننا نرحب بأي كاتب ومن أي بلد عربي، وليس لدينا أي شرط سوى شرط الإبداع العلمي الجيد والجديد، والالتزام بقواعد وشروط الاتحاد كما هو الحال في جميع الاتحادات والروابط الثقافية والفكرية، وما عدا ذلك فان للعضو الحرية في كل ما يكتب، ومجال النشر مفتوح أمامه. ٭ ما هي المشاريع المقترحة من قبلكم لتفعيل دور الاتحاد في الوسط الثقافي السوري، فبعض الكتاب ممن لا ينتمون إلى الاتحاد، يتهمون الاتحاد بأنه بعيد عن هموم الثقافة السورية الحقيقية؟ - هذا كلام غير دقيق، وأقول لمن يتهم الاتحاد بما تقول، بان باب الاتحاد مفتوح للجميع، ويستطيع أي كاتب ان يطرح تصوراته وأفكاره وينشر كتاباته في دوريات الاتحاد، ولدينا نشاط مركز في هذا الاتجاه، فأعضاء الاتحاد يقدمون نشاطين في الفرع الذي ينتمون إليه شهريا، ويستطيع العضو ان يشارك في محافظات أخرى أي في الأنشطة المركزية. نحن نرفض ان يكون الاتحاد حكراً على أعضائه بل ان منابره مفتوحة لكل من لديه مساهمة مفيدة، كما ان هذه النشاطات، كما تعلم، تقام في المؤسسات والمراكز الثقافية المعروفة، وبالتالي فالاتحاد يعيش في قلب الهم الثقافي السوري والعربي، وهذا ما تؤكده الدعوات المستمرة التي نوجهها للكتاب السوريين غير الأعضاء وكذلك للمفكرين والكتاب العرب مثل محمد عبد المطلب وصلاح فضل ومحمد عابد الجابري...وغيرهم، ونحن نستعد الآن لإقامة ندوة حول مفهوم «معاداة السامية» الذي يوظف، في هذه المرحلة، بنوع من الالتباس والغموض، وقد راسلنا السيد عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية بهذا الصدد بغرض التعاون في هذا النشاط، وخلاصة القول نحن منفتحون على كل الفعاليات الثقافية العربية والعالمية. من جهة أخرى فإن اتحاد الكتاب العرب يضم نخبة من المفكرين والكتاب والأدباء في الحقول المعرفية المتعددة، وهذه النخبة ليست ذات انتماء واحد وكذلك هي موزعة على عدد غير قليل من المؤسسات والجهات الرسمية وغير الرسمية فمن الأعضاء من يعمل في الصحافة، ومنهم من يعمل في النشر، ومنهم من يعمل في الكليات والمعاهد في الجامعات، ومنهم من يعمل في التلفزيون، ومنهم من يعمل في الحقل الديبلوماسي...فالاتحاد ليس معزولا كما يتصور البعض بل أن عضو الاتحاد موجود في الأمكنة المختلفة وعلى تواصل مستمر مع الهم الثقافي السوري والعربي، وكما أشرت فإننا وجهنا توصيات بشأن فسح المجال للمواهب الجديدةوالشابة للكتابة في مطبوعات الاتحاد حتى ولو لم يكونوا أعضاء فيه، وقد قررت مؤخرا ان يتم انتخاب الأعضاء على مستوى الفروع الأربعة عشر وهذا لم يجر خلال تاريخ الاتحاد كله. ٭ يقال بأن الاتحاد قد فصل وأبعد، في السنوات السابقة، رموز الثقافة السورية مثل أدونيس ومحمد الماغوط، وزكريا تامر وغيرهم، ما تعليقك حول هذه المسألة؟ - الأسماء التي ذكرتها هي التي ابتعدت، بمحض إرادتها، عن الاتحاد، ولم يفصل الاتحاد أحدا، فزكريا تامر يعيش في بريطانيا ولا يتواصل مع الاتحاد، ومحمد الماغوط معتكف في منزله وبعيد عن العمل التنظيمي، وأدونيس أيضا اختار الابتعاد عن الاتحاد، فقد طُلِب منه، إثر مشاركته في مؤتمر في إسبانيا مع كتاب إسرائيليين في التسعينيات، ان يوضح وجهة نظره ويسوق الحجج والتبريرات الموجبة للمشاركة في مؤتمر لا تناسب طروحاته سياسة الاتحاد، لكنه لم يلبِ طلب الاتحاد بل مزّق الكتاب الذي أرسل إليه بهذا الصدد، فهل السبب هنا في الاتحاد أم في أدونيس نفسه. نحن حريصون على ان يكون الاتحاد بيتا للجميع، وحريصون على ألا نفرّق بين الكتّاب مهما كانت انتماءاتهم الفكرية والعقيدية، هدفنا هو ان نجتمع تحت سقف واحد، مع الإشارة إلى أن ثمة حدودا لهامش الحرية المتاحة، وهذه الحدود ما هي إلا الثوابت الوطنية والأخلاقية التي أشرت إليها سابقا. ٭ كيف تقيم تجربة علي عقلة عرسان الذي ترأس الاتحاد لربع قرن، والذي تعرض في السنوات الأخيرة لانتقادات قاسية؟ - أنا أرى ان علي عقلة عرسان شخصية متميزة، ولديه مشروع ثقافي وفكري، وكان يريد لهذا المشروع ان يستمر وكان يرى بان الاتحاد هو افضل مكان لتنفيذ هذا المشروع وكان هذا هو السبب، في رأيي، لأن يتمسك بالبقاء طيلة الفترة الماضية في رئاسة الاتحاد. عرسان شخصية ديناميكية، قدم خدمات جليلة للفكر والثقافة، واستطاع ان يجذب إليه الناس، ولكن أود الإشارة إلى ان المكوث في منصب ما لفترة طويلة قد ينعكس سلبا، وأرى من الضروري أن يفسح المجال لدماء جديدة بشكل مستمر، فالتغيير مطلوب، وأنا مؤمن بالتغيير شريطة ان يتم العمل في إطار مؤسساتي، بعيد عن كل ما يعيق حرية الفكر.