كم من شيخ عجوز وأرملة عفيفة وطفل يتيم ينامون ليلهم بدموع الجوع والعطش وتحت حرارة الشمس يبحثون عن ظل يؤويهم وعلى صقيع البرد تهتز أبدانهم دون أن نشعر بمعاناتهم أو حتى ننظر إليهم معتقدين أننا أغنياء بأموالنا دون أن ندرك معنى الغنى أو حتى نعيش حياة الفقر متناسين حديث المصطفى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « يَا أَبَا ذَرٍّ أَتَرَى كَثْرَةَ المَالِ هُوَ الْغِنَى ؟ » قُلْتُ نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ ، قَالَ : « أَفَتَرَى قِلَّةَ المَالِ هُوَ الْفَقْرُ ؟ » قُلْتُ نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ ، قَالَ : « إِنَّمَا الْغِنَى غِنَى الْقَلْبِ ، وَالْفَقْرُ فَقْرُ الْقَلْبِ ، وَمَنْ كَانَ الْغِنَى في قَلْبِهِ فَلا يَضُرُّهُ مَا لَقِيَ مِنَ الدُّنْيَا ، وَمَنْ كَانَ الْفَقْرُ في قَلْبِهِ فَلا يُغْنِيهِ مَا أَكْثَرَ مِنَ الدُّنْيَا وَإِنَّمَا يَضُرُّ نَفْسَهُ شُحُّهَا ». وفي الأدب العربي روايات وقصص تحكي الفروق وتوضح الحقائق لحالنا الفقير فقد روي عن رجل ثري اصطحب معه ابنه في رحلة إلى بلدة فقيرة قريبة منه ليطلعه على الكيفية التي يعيش فيها الفقراء . وفي طريق العودة سأل الأب ابنه عن الرحلة وكيفيتها ؟ فقال الابن : كانت الرحلة ممتازة. قال الأب : هل رأيت كيف يعيش الفقراء؟. قال الابن : نعم. قال الأب : إذا أخبرني ماذا تعلمت من هذه الرحلة ؟. قال الابن : لقد رأيت أننا نملك كلباً واحداً والفقراء يملكون أربعة ونحن لدينا بركة ماء في وسط حديقتنا وهم لديهم جدول ليس له نهاية لقد جلبنا الفوانيس لنضيء حديقتنا وهم لديهم النجوم تتلألأ في السماء باحة بيتنا تنتهي عند الحديقة الأمامية ولهم امتداد الأفق لدينا مساحة صغيرة نعيش عليها وعندهم مساحات تتجاوز تلك الحقول لدينا خدم يقومون على خدمتنا وهم يقومون بخدمة بعضهم البعض نحن نشتري طعامنا وهم يأكلون ما يزرعون نحن نملك جدراناً عالية لكي تحمينا وهم يملكون أصدقاء يحمونهم. واختتم الطفل قائلا شكراً لك يا أبي لأنك أريتني كيف أننا فقراء. وان كان الأدب العربي قد تناول حال الفقر والغنى فان الأدب الغربي لم يكن بعيداً عنهما ولعل أبرز من تناول واقع الحال بين الغنى والفقر روبرت كايوساكي وهو أمريكي من أصل ياباني ولد عام 1947 في جزيرة هاواي عصامي بدأ حياته من لا شيء وخاض مجال الاستثمار لكنه سرعان ما تحول إلى محاضر لتنمية الموارد البشرية بعد إفلاسه وان كان قد أفلس في مجال المال والأعمال لكنه أبدع في مجال العلم فألف 16 كتاباً مجموع ما بيع منها 26 مليون نسخة عالميا. ويرى روبرت أن الغني هو من مصاريفه ونفقاته أقل من إجمالي دخله وبالتالي فكل شهر سيكون لديه فائض مالي. أما الفقير فهو من تميل كفة الميزان عنده إلى جانب النفقات، فينتهي كل شهر وهو مدين. وفق هذا التعريف وقد يكون العامل البسيط أغنى من ذاك خريج الجامعة المرموقة. كما يرى روبرت أن الوظيفة حل قصير الأجل - لمشكلة مزمنة طويلة الأجل وما الوظيفة المرموقة الآمنة إلا وهم لا وجود له، زرعها آباؤنا في عقولنا عن غير وعي، ظناً منهم بأنها الملاذ الآمن والحصن المنيع ضد مفاجآت الزمان، وهم ورثوها بدورهم من آبائهم. ومهما ارتقيت من وظائف مرموقة، فسيأتي يوم تصبح فيه عجوزاً بلا فائدة، وجب تغييرك. ترى من هو الفقير حقاً أهو من لا يملك مالاً ولا داراً ويعمل أجيراً لدى الغير ؟. أم هو الغني الذي يستطيع أن يملك بماله مايريد ؟.