( الحلقة الثانية) يعد اتفاق الطائف من أهم الاتفاقيات التي وضعت أسس الحياة السياسية في لبنان كما يعد هذا الاتفاق المرجعية الأولى التي تستند إليها السيادة اللبنانية كمرجع نهائي يستمد منه اللبنانيون وفاقهم الوطني بعد الحرب الأهلية الطاحنة وقد صادق مجلس النواب اللبناني عليه في 5/11/1989،وكان التحضير الجدي لإنهاء الأزمة اللبنانية على قاعدة الوفاق الوطني قد بدأ في مؤتمر القمة العربية غير العادي الذي عقد لهذه الغاية في الدارالبيضاء بين 23و26 مايو 1989، اتفاق الطائف وكان انعقاد المؤتمر إشارة واضحة إلى أن قرار الحل قد اتخذ، وأن الأزمة اللبنانية في سبيلها إلى الحل، إذ وضعت نتائج المؤتمر ومقرراته الأسس الرئيسية شبه النهائية للحل المطلوب وبعد استعراض أخطار الوضع اللبناني، أكد قادة العرب أن الأزمة اللبنانية يجب حلها في الإطار العربي ، تأكيداً لعروبة لبنان وللمسئولية العربية حياله، وقرروا تأليف لجنة عليا من ملك المغرب الملك الحسن الثاني وخادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز والرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد رحمهم الله جميعاً، كانت صلاحية اللجنة مطلقة وحددت مهمتها في برنامج عمل دقيق وأهداف واضحة. وأجرت اللجنة حوارات مع الأطراف المعنية بالأزمة من خلال عدة جولات شملت بغداد ودمشقوبيروت اضافة إلى الرباطوجدة. وتضمن مشروع وثيقة الوفاق الوطني النقاط التالية: على الصعيد السياسي أ- مشروع إصلاح سياسي، يؤمّن مشاركة حقيقية، بين المسلمين والمسيحيين، بما يضمن التوازن بين السلطتَين، التنفيذية والتشريعية، في البلاد. واقتُرح، كمرحلة أولى، عقد اجتماع للبرلمانيين، خارج لبنان، من أجْل التشاور، والاتفاق على إعادة الحياة إلى كل المؤسسات الدستورية اللبنانية، وإجراء الإصلاحات السياسية المطلوبة. ب- بسط سلطة الدولة اللبنانية على كل التراب اللبناني، بقواتها الذاتية، وفقاً لقرار القمة العربية، غيرالعادية، المنعقدة في الدارالبيضاء. ج-تحرير لبنان من الاحتلال الإسرائيلي، وذلك بالعمل بالوسائل كافة، على تنفيذ القرار الرقم 425، وسائر قرارات مجلس الأمن الدولي، المتعلقة بإزالة الاحتلال، مع التمسك باتفاقية الهدنة، الموقعة عام 1949. د-تأكيد علاقات لبنان بسورية، التي تستمد قوّتها من جذور القربى والتاريخ والمصالح الإستراتيجية المشتركة. وضرورة التنسيق والتعاون بين البلدَين، بموجب اتفاقات في شتى المجالات. وكذلك، تأكيد ألاّ يكون لبنان مصدر تهديد لأمن سورية، وألاّ تمثل سورية، في المقابل تهديداً لأمن لبنان، بأي شكل من الأشكال. 2. على الصعيد الأمني وضعت خطة أمنية شاملة، لكل لبنان، تتسم خطوطها العريضة بما يلي: أ-الإعلان عن حَلّ جميع الميليشيات، اللبنانية وغير اللبنانية، وتسليم أسلحتها إلى الدولة اللبنانية، خلال مدة زمنية محددة. ب- تعزيز قوى الأمن الداخلي، من خلال: (1) فتح باب التطوع أمام جميع اللبنانيين، من دون استثناء، والبدء بتدريبهم مركزياً، ثم توزيعهم على الوحدات، مع إلحاقهم بدورة تدريبية دورية، ومنظمة. (2) تعزيز جهاز الأمن، بما يتلاءم وضبط عمليات دخول وخروج الأشخاص، عبْر الحدود، براً وبحراً وجواً. (3) تعزيز القوات المسلحة. (4) حَلّ مشكلة المهجَّرين اللبنانيين، والسماح لكل مهجَّر لبناني، منذ عام 1975، بالعودة إلى المكان الذي هجِّر منه. وفيما يتعلق بموضوع العلاقات بين سورية ولبنان، حثت اللجنة على ضرورة توقيع اتفاق أمني بين حكومتَيهما، برعايتها، يحدَّد، بموجبه، عدد القوات السورية، ومراكزها، ومدة وجودها في البقاع. فظهر الخلاف في وجهتَي النظر، بين اللجنة الثلاثية وسورية، خاصة في شأن مسألتَي بسط السيادة اللبنانية على كل التراب الوطني، ومستقبل العلاقات السورية اللبنانية. إذ ارتأت دمشق أن بسط السيادة اللبنانية، هي مسألة يجب ألاّ تُحسم مسبقاً، وفق فترة زمنية محددة، وإنما يجب أن تترك إلى ما بعد تمكُّن حكومة الوفاق الوطني في لبنان. وفيما يخص مستقبل العلاقات السورية اللبنانية، رأت سوريا أن اقتراح اللجنة، لا ينسجم مع نظرتها إلى ما يجب أن تكون عليه هذه العلاقات، من النواحي، الإستراتيجية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية، وغيرها. كما واجَه عمل اللجنة عدة عراقيل أخرى، دفعتها إلى إعلان بيانها، المشار إليه آنفاً. من بينها: أ. تأخر فتح المعابر، بين المنطقة الشرقية للعاصمة بيروت، والمناطق المجاورة لها. ب. استمرار الحصار البحري، المضروب على ميناء جونيه. ج. تأكيد العديد من أعضاء مجلس النواب اللبناني، ضرورة رفع الحصار، قبْل الدعوة إلى اجتماع النواب، داخل لبنان أو خارجه. وتزامن ذلك مع عودة مسألة الرهائن إلى مسرح الأحداث، بقوة، بعد اختطاف الشيخ عبدالكريم عبيد، أحد قادة الشيعة في لبنان، وما تبعه من مقتل أحد الرهائن الأمريكيين، هو الكولونيل هيجنز، على يد خاطفيه، الأمر الذي فتح ملف العلاقات الأمريكيةالإيرانية، من جديد. إذ طالب الرئيس الإيراني أنذاك، علي أكبر هاشمي رافسنجاني، الإدارة الأمريكية، بالإفراج عن الأرصدة المالية الإيرانية، المجمدة في المصارف الأمريكية منذ عشر سنوات، والمقدرة بنحو 21 بليون دولار، في مقابل المساعدة على إطلاق الرهائن. إلاّ أن الإدارة الأمريكية، أصرّت على ضرورة إنقاذ الرهائن، بلا شروط مسبقة، ومن دون أي تنازلات، لأن مثل هذه التنازلات من شأنها أن تدفع عناصر أخرى، مستقبلاً، إلى اختطاف رهائن أمريكيين آخرين، ومقايضتهم بمزيد من التنازلات. 3. على صعيد العلاقات اللبنانية السورية: اهتم اتفاق الطائف بتحديد نوعية العلاقات السورية اللبنانية، في إطار وجود مصالح بين البلدَين، وصفها مشروع الوثيقة، بأنها مصالح إستراتيجية مشتركة. بينما أصرّ الفريق الكتائبي، ومعه الموارنة، بصورة عامة، على عدم إستراتيجية تلك المصالح، وتقديرها مصالح مشتركة، بالأخوّة، لا بالإستراتيجية. أمام إصرار رئيس حزب الكتائب على موقفه، وافق المؤتمِرون على استبدال عبارة (المصالح الأخوية المشتركة)، بعبارة (المصالح الإستراتيجية المشتركة)، فكان التعديل الأول في نص مشروع العلاقات. أما التعديل الثاني، فهو الإصرار من قِبل المؤتمِرين على وضع الاتفاقات، المزمع عقدها بين لبنان وسورية، في إطار سيادة كلٍّ من البلدَين واستقلاله. وأصبح النص، بعد التعديل: (سوف تجسّده اتفاقات بينهما، في شتى المجالات، مما يحقق مصلحة البلدَين الشقيقَين، في إطار سيادة كلٍّ منهما واستقلاله)، بعد أن كان: (وسوف تجسّده اتفاقات بينهما، في شتى المجالات، مما يحقق مصلحة البلدَين الشقيقَين). فأكد المؤتمِرون، مجدداً، وضع العلاقات بين لبنان وسورية، في إطار الاستقلال والسيادة، معبّرين، بذلك، عن قلقهم الدائم وهاجسهم الأساسي، هاجس استعادة الاستقلال والسيادة. رفض مؤتمر الطائف نظرية الحقوق المشروعة للدول الكبيرة في الدول الصغيرة، المجاورة لها، وأصرّ النواب المؤتمِرون على سيادة لبنان كاملة، غير منقوصة، خاصة أن السيادة شرعية ومستمدة من الشرعية الدولية، التي تعترف بسيادة الدول على أراضيها سيادة كاملة تامة. فضلاً عن أن الشرعية الدولية، هي السلاح الذي حمله مؤتمر الطائف، في وجْه الاحتلال الإسرائيلي لجنوبي لبنان، مصرّاً على اتفاق الهدنة، والحدود المعترف بها دولياً، وتنفيذ القرار الرقم 425، الصادر عن مجلس الأمن، وحقوق الشعب اللبناني في الدفاع عن أرضه، بكافة الوسائل المتاحة، وواجب الدولة في تحرير الأرض كاملة. وقد رفض مؤتمر الطائف الربط بين الانسحاب الإسرائيلي والانسحاب السوري، والتزامن بينهما، إذ رأى الوجود الإسرائيلي احتلالاً غير مشروع للأرض، يمكن مواجهته باللجوء إلى الشرعية الدولية، أو بالحرب لتحرير الأرض. أمّا الوجود السوري، فيجب أن توضع له أصول وقواعد، تتفق عليها بيروتودمشق، في الإطار العربي، الذي يجمعهما في ظِل انتماء قومي، ومن خلال المنظمة الإقليمية العربية، وهي جامعة الدول العربية. وانطلاقاً من الانتماء القومي، ومن خلال الإطار العربي، عمل مؤتمر الطائف على معالجة العلاقات اللبنانية السورية، والوجود العسكري السوري في لبنان. فنظّم الانسحاب السوري، وفقاً لخطة مرحلية محدَّدة. المرحلة الأولى، تقضي بانسحاب القوات السورية من جميع المناطق اللبنانية الموجودة فيها، انسحاباً عسكرياً وأمنياً تاماً، إلى منطقة البقاع، ومداخل البقاع الغربي، وإلى ضهر البيدر، على خط ممتد من عين دارة إلى المديرج، فحمانا. ويكون انسحابها في مصلحة القوات الشرعية اللبنانية، من جيش وقوى أمن، وتساعد هذه القوات على بسط سلطة الدولة اللبنانية على أراضيها كاملة. وتنتهي المرحلة الأولى بعد مرور سنتين على إقرار الإصلاحات الدستورية. تساعد القوات السورية، خلالهما، الدولة اللبنانية، على بسط سلطتها، بقواتها الذاتية، على المناطق اللبنانية كافة. وفي نهايتهما تنسحب، وتعيد تجميع قواتها في منطقة البقاع. المرحلة الثانية، تبدأ بعد إعادة تجميع القوات السورية في المواقع الجديدة، ووفقاً لاتفاق بين الحكومتَين، اللبنانية والسورية، يحدد مدة بقاء الجيش السوري في البقاع ومداخل البقاع الغربي، وحجم قواته، وعلاقتها بسلطات الدولة اللبنانية، في أماكن وجودها. وكان واضحاً، في المؤتمر، أن القوات السورية، الموجودة في البقاع، لأسباب دفاعية، في وجْه إسرائيل، سيكون وجودها عسكرياً محضاً، ولا علاقة لها بالوضع الأمني اللبناني، حتى في منطقة وجودها، لأن الشأن الأمني، يصبح، حصراً، من مهام قوات الشرعية اللبنانية الذاتية. وفي حال تعثّر الاتفاق بين بيروتودمشق، يمكن طلب مساعدة اللجنة الثلاثية العربية العليا على إنجازه. وأما العلاقات اللبنانية السورية، فرسمها مؤتمر الطائف على قاعدة الصداقة المميزة، والأخوّة والتعاون بين بلدَين شقيقين، وفي إطار سيادة كلٍّ منهما واستقلاله، على أن تجسّد في اتفاقات تفصيلية، وفقاً للحاجة. انتهاء الحرب انتهت الحرب الأهلية اللبنانية بموجب اتفاق الطائف الذي عكس توازن القوى على الساحتين اللبنانية والإقليمية عام1990، وبقي لبنان ينعم باستقرار اقتصادي وسياسي نسبي مع استمرار إلى عام 2001 مع انسحاب اسرائيل من جنوب لبنان وبروز حزب الله كقوة سياسية وعسكرية يمثل أغلبية الطائفة الشيعية في لبنان مدعوماً من قبل إيران وسورية. وبعد الإنسحاب الإسرائيلي أصبح حزب الله أكثر انخراطاً في الحياة السياسية عن طريق المشاركة في الانتخابات اللبنانية والحكومة وبدأ الحديث عن سلاح حزب الله داخل وخارج لبنان ودور ومستقبل هذا السلاح. ساحة صراع مع صدور قرار مجلس الأمن 1759 الذي يدعو لخروج سوريا من لبنان وأغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري وخروج القوات السورية بالفعل من لبنان تعمق الانقسام في لبنان مابين السنة الذين يمثلهم تيار المستقبل والقوى المتحالفة معه مثل الزعيم الدرزي وليد جنبلاط من جهة والشيعة المتمثلين بحزب الله وحركة أمل بينما انقسم المسيحيون بين هذين المحورين أما القوى العلمانية واليسارية والليبرالية فتراجع وزنها كثيراً ولم يعد لديها المشروع القادر على تجاوز هذا الانقسام الطائفي والتحقت إما بهذه الجهة أو تلك وفي ظل الأزمة الحالية التي تواجهها لبنان على أكثر من صعيد يبقى الانقسام الطائفي في لبنان هو الأخطر مما يهدد بعواقب وخيمة على المجتمع اللبناني مستفيداً ومع كل يوم يمر دون التوصل إلى حل للأزمة التي تواجهها لبنان حالياً سترسخ الاستقطاب على الساحة اللبنانية. وإذا لم يتم التجاوب مع المبادرة التي طرحتها الجامعة العربية لحل الأزمة في لبنان فإن سيناريو الحرب الأهلية يبقى احتمالاً وارداً رغم أن اللبنانيين لايريدون تكراره.