سنة بعد سنة يحتفل المواطنون السعوديون بيوم الوطن , وهو يوم وذكرى جديرة بالاحتفال و التذكير بماضي هذا البلد ورؤية لحاضره وتطلع لمستقبله . يجب ان نتجاوز جميعاً بعض الاعتراضات ذات المنظور الضيق في احياء الفرح وتخليد المناسبات الجميلة في حياتنا ولننطلق بنظرة من علوّ في اتجاه تكريس تمجيد المناسبات الكبرى دون غلو ولا اسفاف فجدير بهكذا مناسبات ان نجعلها تعج بالولاء والتهليل بنضج ومسؤولية . ملحمة المملكة العربية السعودية ليست حدثاً عابراً ساقته الصدف , انها ملحمة تُحكى صيغت مع السنين معدنا ثمينا صلب التكوين براق المظهر غالي الثمن تعبر عن تمازج مجموعة من العناصر التي جعلت منها كياناً وجد ليبقى قوياً على مر السنين بإذن الواحد الأحد . هذا الكيان العظيم صرح شامخ بني على قواعد معلنة ومباديء سامية فقد كان في التقاء شيخ الدين وإمام السياسة قوة محركة دافعة للمستقبل مهما كانت العقبات , وانطلقت تلك القوة المركزية لتجمع أطراف الوطن الى قلبه لتجتمع قبائل معظم الجزيرة العربية وكياناتها المتفرقة تحت راية واحدة وهي راية لا اله الا الله محمد رسول الله . لقد تحققت المعادلة بوجود الارادة السياسية البارعة والعقيدة الصحيحة لقيام هذا الكيان الصلب الثابت . عندما انطلق الملك عبدالعزيز في رحلة استعادة المجد كان قد استوعب دروس الدولتين السعوديتين الأولى والثانية جيداً ودرس أحوال الجزيرة العربية العربية والظروف الدولية المحيطة فضلاً عن معرفته الدقيقة لحاجة الناس بطول الجزيرة وعرضها الى وطن واحد يجمعهم على كلمة واحدة كما كانوا , فكانت رحلة التوحيد التي استهلها بفتح الرياض في الخامس من شوال 1319ه , ثم توالت منجزات الدولة السعودية الحديثة بإنضمام بقية المناطق حرباً أو سلماً واحدة بعد الأخرى حتى اعلان توحيد الدولة فأصدر الملك عبد العزيز مرسوماً بذلك في 17جمادى الأولى 1351ه وتضمن المرسوم توحيد كل أجزاء الدولة السعودية الحديثة تحت اسم المملكة العربية السعودية، واختار الملك عبدالعزيز يوم الخميس الموافق 21جمادى الأولى من نفس العام الموافق 23سبتمبر 1932م يوماً لإعلان قيام المملكة العربية السعودية. كان هذا الاعلان بمثابة التحول في نظام الدولة من الدولة البدائية الى الدولة الحديثة التي تؤمن بالعلاقات الدولية وأهميتها وتسعى للتطور والإنطلاق للمنافسة في هذا العالم المتقلب في جميع المجالات الاقتصادية والعلمية وغيرها مستندة الى دورها الديني والحضاري وما تمتلكه من مقدرات طبيعية وبشرية . انها معادلة صعبة وتحد كبير بين توفير الأمن للوطن الناشيء والطموحات الكبرى في الحصول على مكانة دولية مرموقة وتحقيق تقدم اقتصادي وحضاري بين الأمم , لكن الإرادة القوية بعد مشيئة الله وتوفيقه حققت المعجزات , فالملك عبدالعزيز ثم أبنائه من بعده سعود وفيصل وخالد وفهد وعبدالله وأخيراً الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله وأيده بتوفيقه كانوا على قدر عال من القبول بالتحدي وتحقيق المنجزات الكبار واحدة بعد أخرى حتى وصلنا الى ما نحن عليه ولله الحمد والفضل . ما نحن بحاجة اليه في هذه الذكرى السنوية أن نستشعر فضل الله علينا بهذه الوحدة الوطنية والأمن والاستقرار والوفرة الاقتصادية , وان نجعل من هذا الشعور دافعاً ومحركاً لتعزيز ولائنا لقيادتنا الرشيدة لحماية هذا الكيان العظيم (المملكة العربية السعودية ) وأن نبذل من أجلها وفي سبيل استمرارها الغالي والنفيس , ثم لنجعل السعي لمواكبة الأمم المتقدمة ديدننا كي نحافظ على ما انجزناه ونحقق ما نصبو اليه . أسأل الله العلي العظيم أن يديم علينا نعمة الإسلام وأن يديم الأمن والأمان ظلاً وارفاً يجلل وطننا , وأن يحفظ قادتنا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين الأمير محمد بن نايف والنائب الثاني ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان وأن يؤيدهم بالتوفيق . عقيد ركن / سعد بن سليمان الشهري