يمكن لعين المُحب أن ترى كل ما حولها جميلا. فوحده المُحب هو الذي يرى في إشراقة الشمس، أو في هروبها نحو الأفق البعيد جمالاً قد لا يلاحظه غيره. فبينما ينظر هو إلى انسحاب الشمس، أو إشراقتها منظرا خلَّابا، هناك من تُلهيهم الحياة بمتطلباتها فتكون إشراقة الشمس بالنسبة لهم بداية ليوم عمل شاق.. أكثر منها منظرا جميلا يستحق التأمل. *** يظل الجمال ظاهرة تستعصي على التعريف. يقول مالرو: "فكرة الجمال -وهي من أكثر أفكار علم الجمال غموضًا- ليست بغامضة إلا في علم الجمال نفسه"، وهو هنا كمن يُفسِّر الماء بعد الجهدِ بالماءِ. فالجمال حقيقة موجودة ثابتة، لكن من الصعب أن نضع يدنا عليها. فهو لا يقوم بنفسه، وإنما يقوم بغيره، حيث نستطيع رؤيته في الإنسان، وفي الأشياء، وفي الأفعال والتصرفات.. لكنه شيء لا تلمسه بيدك.. وإنما تراه في عقلك ووجدانك، قبل أن تراه بعينك المجردة. *** والجمال هو إذاً في عين المُحب.. يستقر في شعوره نحو من يُحب، حتى لو لم يره الآخرون كذلك! أي أنه لا يوجد شيء جميل في ذاته، يعتقد كل الناس أنه جميل، بل إنّ الأشياء تُعدّ جميلة أو غير جميلة طبقًا لتقدير كل إنسان لقوة تأثيرها في عقليته ونفسيته. ولعل أقرب مثال يعرفه معظم القراء هو رؤية "غوار الطوشي" ل"فطوم حيص بيص". فهو يُدرك أنها قد لا تكون جميلة في عيون الآخرين، فيقول: "لا تشوفوها بعيونكم.. شوفوها بعيوني". #نافذة: (فإذا وقفت أمام حسنك صامتا فالصمت في حرم الجمال جمال كلماتنا في الحب تقتل حبنا إن الحروف تموت حين تقال حسبي وحسبك أن تظلي دائما سرًا يمزقني وليس يقال).. نزار قبانى [email protected]