1. لفت الله أنظار عباده إلى مَوَاطن الجمال في كونه بوصفها آيات دالة على طلاقة قدرته.. ففي جمال السماء يقول سبحانه: «ولقد جعلنا في السماء بروجاً وزيناها للناظرين». وفي جمال الأرض يقول: «والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج».. وفي جمال الإنسان يقول: «وصَوَّركم فأحسن صِوَركم». 2. ليس هناك معايير موحَّدة واضحة للجَمَال؛ فقد ترى الأرض التي يكسوها الزرع بساطاً أخضر جميلة، بينما يراها الفلاح الذي زرعها منظراً مملاً رتيباً؛ لأنه اعتاد رؤيته ليل نهار؛ فمعايير الجَمَال تحكمها الثقافة الشخصية، ولكل إنسان مقياس الجَمَال الخاص به. 3. إذا كان كل إنسان يرى الناس بعين طبعه.. فالأكيد أيضاً أنه يرى الجَمَال بعين طبعه؛ لذا قالوا كن جميلاً ترى الوجود جميلاً.. فالجمال حسي داخلي ناتج من تفاعل الكثير من المواقف المتشابكة في نفس الإنسان مهما كان تأثير البيئة التي يعيش فيها أو نمط التربية الذي عاشه.. فالإحساس بالجَمَال ليس تقليداً أو اتباعاً.. إنه شيء يلامس شغاف القلب بأحاسيس صادرة أيضاً من القلب.. تماماً مثل الكمبيوتر.. تغذيه بالبيانات المعقَّدة فيحللها في ضرب وطرح وقسمة واستنتاج واستخراج بلمسة زر.. فإشارة القلب تعطي حكمها بالجَمَال بمجرد النظر دون مبررات أو معطيات أو تفكير في مخرجات. 4. ارتبط الجَمَال بالحب.. فالمحب لا يرى في حبيبه إلا كل شيء جميل من شكل أو صوت أو حركة أو سلوك أو رائحة أو اختيار.. فعين الرضا عن كل عيب كليلة.. كما أن الإنسان يمكن أن يكره، ومع هذا قد يرى فيمن يكرهه مَوَاطِن جَمَال.. لكنه يستحيل أن يحب ولا يرى فيمن يحبه الجَمَال. 5. الجَمَال شيء والاستمتاع بالجَمَال أو اكتشافه شيء آخر.. فالعقل إذا تعرض إلى توجيه مدروس يمكن أن يرى في البؤس نعيماً ويرى في القبح جمالاً وفي فساد القيم صلاحاً.. فقد ثبت أن الإنسان كائن ثقافي.. يمكن أن يكون الجَمَال لديه سياسياً لا بيولوجياً.. أي يمكن برمجته حتى ولو كان في طبيعته حساً مطلقاً لا يخضع لقوانين المنطق ولا أحكام العقل. 6. النظر إلى الجَمَال في الأشياء نظرة حسية، تدرك حسب المعارف والقدرات الذاتية.. فأنت تستمتع باللوحة أو القصيدة أو القطعة الموسيقية دون أن تلتقي مبدعها.. أما النظر إلى الجَمَال في الإنسان فهي نظرة روح.. نتجاوز في قياسه أساليب القياس السائدة إلى أسلوب آخر.. فهي صلة تعتمد على الطرفَيْن ذاتيهما؛ لأنها علاقة تأثيرها يتجاوز النظر إلى الواجهة إلى النظر داخل الروح.. وهو أمر عَبَّر عنه الإنجليز بقولهم: «الحب والكراهية يجعلان العين السليمة حولاء».