صورة مصر من بعيد كئيبة للغاية.. ترى ذلك في تساؤلات كثيرة حائرة وغاضبة تطاردك من أبناء مصر في الخارج وأحبائها وما أكثرهم. من بعيد تسمع أخبارًا كثيرة، وتشاهد على شاشات التليفزيون معارك دامية، وتتصور أن هذا وطن غير مصر التي عرفتها، وأن ما تراه شعب آخر لا يحمل جوازات سفر مصرية.. صورة من بعيد تشعرك بحزن عميق، وكأن الزمن توقف بالمصريين عند لحظة دامية ويرفض الرحيل.. وتحاول أن تبحث عن وجوه كثيرة تعرفها عن هذا الوطن الجميل، إذا انتقلت بشاشة التليفزيون سوف تشاهد فيلمًا قديمًا رائعًا في لغته وحواره ونجومه وفكره.. وإذا انتقلت إلى محطة للغناء سوف تبهرك عبقرية الفن والغناء المصري في عصره الجميل.. وإذا رجعت إلى السياسة سوف تجد رموزًا ورجالاً جديرين بأن تفخر بهم.. وإذا اقتربت من الزمن الجديد سوف تجد شبابًا رائعًا خرج يومًا وطاف الشوارع وكان نموذجًا للترفع والإصرار حتى أسقط نظامًا سياسيًّا مستبدًا.. يتوقف الزمن معك لحظات لتجد صورًا أخرى وتشاهد شعبًا آخر.. الحرائق التي تجتاح كل شيء.. الحجارة التي تتساقط فوق رؤوس الناس، والتصريحات الغريبة والشاذة والانقسامات الدامية بين أبناء الأسرة الواحدة.. وتجد أمامك أشباحًا غريبة تحركها أصابع خفية وكأننا في سيرك أو فيلم من أفلام الكرتون.. وتسأل ماذا جرى للمصريين؟ هل هذه الأيدي التي أحرقت المجمع العلمي تنتمي لهذا الشعب؟ هل هذه الميليشيات التي تتعامل في المقطم من أبناء هذا الشعب؟ هل الحشود التي تحاصر المحكمة الدستورية، ومدينة الإنتاج الإعلامي، ومبني القضاء العالي، والاتحادية تحمل جوازات سفر مصرية؟ تحتار في الإجابة، وتحتار أكثر حين تدرك أن هذا الوطن الجميل الذي علَّم الناس السماحة والجمال والحكمة يقف الآن على أبواب حرب أهلية؛ بسبب الانقسامات التي أطاحت بكل شيء فيه. أين عقلاء مصر؟ وأين رجال الفكر والسياسة؟ وهل عجز كل هؤلاء عن إنقاذ السفينة والأمواج تحاصرها، كثيرًا ما يسأل الإنسان نفسه مصر إلى أين؟ ولا يجد الإجابة. المزيد من الصور :