قمتُ بزيارة إلى حديقة أميرة طرابلسي في (حي النزلة اليمانية)، أو حي القريات ببلدية الجامعة الفرعية بجدة. هذه الحديقة النسائية الجميلة في جنوبجدة؛ والتي تقع على مساحة أكثر من 19 ألف متر مربع، والتي صُمّمت لتكون متنزهًا نموذجيًّا مُخصّصًا للنساء والأطفال، والتي تحتوي على مساحات خضراء واسعة، وممرات مشي بطول 500م، وملاعب أطفال، وخيمة مجانية للمناسبات تسع ل2000 شخص، ومسرح مفتوح، كان لها الأثر في تعزيز التواصل والترابط الأسري والاجتماعي. أميرة طرابلسي هي اسم الجدة التي وهبت هذه الأرض كمتنفس لأهالي الحي، ولم تشأ أن تبيع الأرض هبة منها، فرحمة الله عليها ليوم الدّين. لقد عملت السيدات في جمعية أصدقاء حدائق جدة من السيدة زكية بندقجي، وهي من أهالي الحي والسيدة سلوى رضوان، والسيدة سميرة نيازي بالتعاون مع شراكات بين القطاع الخاص والعام، بإنشاء هذه الحديقة التي غيّرت حياة أهل القريات. فكثيرًا من السيدات يحتفلن بحفلات التخرّج والزواجات، فالشقق في هذه المناطق صغيرة لا تسمح بقيام عزائم، ولكن أصبحت خيمة الحديقة تَجمُّعًا للنساء، وندوات دينية، بالإضافة أن عددًا غير قليل من السيّدات كنّ يُعانين من السمنة، وبعد أن أصبحن يداومن في المشي في الحديقة شعرن بتحسن كبير بعد إنقاص وزنهن، وزيادة رشاقتهن. يمرح ويلعب الأطفال بدون أي تكلفة، ودون قلق الأمهات كما كان يحدث سابقًا، عندما كانوا يلعبون في الشوارع بين السيارات. توجد حافلة تم تجهيزها كمكتبة متنقلة تضم أكثر من 480 كتابًا، وقصة للأطفال، لتُشجِّع الأطفال على القراءة، وحب الاطلاع، وتقوم إحدى المتطوّعات بقراءة قصة 3 مرات في الأسبوع، فيتجمع الأطفال حول المتطوعة. بالإضافة إلى برامج الوعي البيئي، وتوجد حاويات لإعادة التدوير من البلاستيك، والورق، والألمنيوم، وهي خدمة تخلو معظم أحياء جدة منها؛ إلاَّ ما ندر. وقد قام مكتب تي إل سي للاستشارات الإدارية والتطويرية بتوثيق التجربة، وأثبتت الدراسة بتحسن العلاقات الأسرية 10%، وتحسن الالتزام بأداء الصلاة 3.12%، وزيادة التعاون واللعب الجماعي 10%، وتحسن المهارات الذاتية 8.2%، وتحسن المستوى الدراسي 10%. أختم بمشاعر أهالي الحي ومرتادي الحديقة: (خمس عشرة سنة عشت في هذا البيت لا أعرف جارتي، ولا جاءتني الفرصة للتواصل معها. ومنذ أن فُتِحَت حديقة أميرة، أصبحنا نتردد عليها كثيرًا، فالتقيتُ هناك بجارتي وتعرفتُ عليها، وصرنا أصحابًا، وأولادنا أيضًا صاروا أصحابًا. وأصبحنا حريصين لتوفير الوقت لنتلاقى في الحديقة التي أصبحت بيتنا الثاني).. مريم 46 سنة. هذه المبادرة هي إنجاز لجهود جمعية أصدقاء حدائق جدة، وقد ساهمت في تنفيذ حديقة فيصل زاهد الرياضية، وأيضًا حديقة نزيه وورطان في حي الخالدية، أتمنى أن تطبّق حديقة أميرة في كل حي من أحياء جدة، وأحياء المملكة جمعاء؛ لينعم المجتمع بصحة نفسية واجتماعية أفضل.