لابد أنه مر على أحدكم موقف نطق لسانه بعدها تلقائيًا «لو أنّ لدي المزيد من المال» فكم مرة قلت هذه العبارة ؟ غالبًا ما نردد هذه العبارة عند مرورنا بضائقة مالية لم نستطع توفيرها في حينها من أجل تلبية حاجة ملحة أو متعة عابرة، مما يجعلنا نشعر بالحاجة الماسة إلى أن نحصّل أكثر ما يمكن من الأموال. لكن هل تبادر إلى ذهننا السؤال التالي: هل نحن فعلا بحاجة إلى المزيد من المال ؟ وماهو المقدار الفعلي الذي نحن بحاجة إليه ؟ في الحديث الشريف عن الرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال : «لَوْ كَانَ لابْنِ آدَمَ وَادٍ مِنْ مالٍ لابْتَغَى لَه ثَانِيًا، وَلَوْ كَانَ ثَانِيًا لابْتَغَى لَه ثَالِثًا، وَلا يَمْلأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلا التُّرَابُ، وَيَتُوبُ اللَّهِ عَلَى مَنْ تَابَ»رواه البخاري . إذًا هي طبيعة بشرية مجبولة على حب جمع المال وكنزه وعدم الشعور بالاكتفاء أوالاقتناع بما يملك بل يسعى في طلب المزيد والمزيد، فهل يعني ذلك أننا فعلاً بحاجة إلى المزيد من المال، وأنه مهما جمعنا فنحن مازلنا بحاجة إلى المزيد منه ؟! في الواقع إن الهدف من جمع المال وتحصيله هو ما يحدد مقدار حاجتنا الحقيقية، لكن عندما يكون الهدف هو جمع المال من أجل المال هنا تطغى الطبيعة البشرية المجبولة على التلذذ والاستمتاع، ففي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «منْ كَانَتِ الْآخِرَةُ هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ وَمَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا مَا قُدِّرَ لَهُ « رواه الترمذي. فعندما لا نروض أنفسنا ونمسك بلجامها فستهلكنا لا محالة، ولذلك كانت وصية الرسول صلى الله عليه وسلم لحكيم بن حزام: «يَا حَكِيمُ إِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ فَمَنْ أَخَذَهُ بِطِيبِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ وَكَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى» رواه البخاري، وفي مقولة عمر المشهورة «أكلما اشتهيت اشتريت» دليل على أهمية عدم اتباع النفس هواها لا سيما فيما يتعلق بجانب المال. فالمال فتنة، ومن منا لا يحب المال وإن ادعّى ذلك، فبه قوام العيش وحفظ لماء الوجه عن ذلّ السؤال والمهانة من الناس، لكن عندما لا نحدد هدفنا من جمع المال وغايتنا منه وقعنا في خطر هم الدنيا والتعلق بها، والانشغال عن دورنا الحقيقي من إعمار الأرض وعبادة الله والذي أخبرنا أنه تكفل برزقنا (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ *فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) الذريات:22-23 إذًا نحن بحاجة إلى المال الذي يحقق أهدافنا النبيلة والمدروسة، فنعم المال الصالح للرجل الصالح، ودمتم في ثراء. [email protected]