اعلموا أيُّها السادة أن "الفظاظة" سمة العصر الحديث، وأنها غير مسبوقة في تاريخ البشرية قاطبة. إنها إحدى سمات عصر الحياة الرقمية. عصر الإعلام الرقمي. عصر تويتر وفيس بوك والبريد الإلكتروني. النفسية التي تقابلنا بها كل يوم صفحات الإنترنت اللامتناهية بأشكالها المختلفة، وبكل أصناف البشر فيها. ولعلي أذكر هنا أن رجلاً من أولئك الرجال قد ذكر لي -وهو بالمناسبة مشرف على أحد المواقع الأدبية- أن يدخل باسمه الرقمي ليفرغ ما في داخله من أمراض، وضغوطات العمل، والزوجة، والشارع على أولئك البشر بكل قلة أدب، وإسفاف، وسقوط، إنساني (لأسفل درجات الانحطاط البشري). الفظاظة أيُّها السادة سمة سلبية من سمات الإنسان المستبد والمعتدي. وفي الظن أن سلوك الإنسان وأفعاله وتصرفاته لا تحدث من فراغ. فكل سلوك يصدر من الإنسان عادة ما يتم في إطار موقف معيّن. هذه المواقف تحكمها الظروف، وببيئة الإنسان نفسه. وأهم ما يميّز العصر الحديث الثورة التكنولوجية الكبيرة التي طالت كل شيء في حياة الإنسان المعاصر. الثورة التي سيطرت بآلاتها وسائلها المختلفة على حياة الإنسان، وعلى نهمه الزائد والمتطرّف والفظ في سبيل إشباع حاجاته. أو الوصول إلى مراده. إنّ الأخلاق لا تتكون عند الإنسان -إنسان الأمس واليوم- إلاّ بالدين الإسلامي الحنيف والإيمان بالله وباليوم الآخر، وكما أنّ للأفراد فظاظة وخلقًا سيئًا كريهًا، فكذلك للدول والحضارات، والأحزاب، والمنظمات أخلاقيات سيئة، أو كريهة. ولقد مثل النبي الأعظم عليه الصلاة والسلام حالة فريدة، نادرة، في مجتمع جاهلي متخلف. كانوا يتعاملون بمنتهى الفظاظة والغلظة. إذ من المعروف عندما يعيش الإنسان في مجتمع له مستوى من التحضر والأخلاق العامة، فسينعكس ذلك على أخلاقه وسلوكه، والعكس بالعكس.