لا تزال الصحف تنقل أخبارا مفجعة عن أحداث الإهمال والتجاوزات وسوء الإدارة في المنشآت التي ترعى الفئات المستضعفة كالمعوقين والأيتام والفتيات في دور الرعاية والمسنين والمرضى العقليين وحتى المرضى العاديين وغيرها من الفئات الهشة التي هي في حالة ضعف وقلة حيلة، وبالطبع هناك حاجة لمعالجات موضوعية جذرية في فلسفة الإدارة والرقابة وبنيتها القيمية والهيكلية، لكن القوانين والهياكل الإدارية لا تلغي الدور الأساسي للأفراد العاملين في تلك الوظائف الحساسة من أعلى السلم الوظيفي إلى قاعدته، فالبشر مختلفون في ميولهم واستعداداتهم الفطرية، فهناك من يكون بطبعه عاطفيا ولطيفا ولديه سعة صبر أكبر والاعتبارات المثالية تمثل محركا أساسيا بالنسبة له وهناك من هو بطبعه فيه غلظة وفظاظة وتبلد وعنف ونزق وليس لديه محركات قيمية مثالية، وبالطبع عندما يتم تعيين النوع الثاني للعمل مع تلك الفئات الهشة ومهما كانت القوانين والرقابة فستحصل ولا بد تجاوزات، فالعمل في مثل تلك الوظائف الحساسة يتطلب بالفعل أن يكون للإنسان استعدادات فطرية خاصة ودافع أكبر وأكثر جذرية من مجرد كونها الوظيفة المتوافرة، وليس من يعمل في مثل تلك الوظائف لأجل المرتب فقط كمن يعمل فيها لأن لديه منظومة قيمية وروحية تجعله يشعر أنه يخدم الله تعالى فيهم، ومهما كان قصور النظام فوجود أشخاص لديهم التزام شخصي قيمي تجاه مبدأ ورسالة عملهم في تلك الوظائف الحساسة سيساعد على تحسين مستوى الخدمة وحماية تلك الفئات من التجاوزات والمظالم، وإجراء تقييم نفسي للمتقدمين لتلك الوظائف لا يجب أن يكون متوقفا على عنصر التدين الظاهري، فليس كل متدين هو شخص حقق في سلوكه حقائق الإيمان، بل إن التعصب قد يؤدي لنوع من استباحة إساءة استغلال السلطة ضد تلك الفئات المستضعفة لإجبارهم على منظوره في التدين، كما صرح بذلك («عكاظ» 18/04/1430ه)، مدير عام الشؤون الاجتماعية في منطقة مكةالمكرمة الدكتور علي الحناكي، من أن «إداراته اكتشفت أن بعض الجمعيات الخيرية في مكة تمنع المساعدات عن المحتاجين وتساومهم مقابلها باشتراطات أن يكون طالب المساعدة لديه لحية ولا يملك (رسيفر)، ويحفظ جزءا من القرآن ومواظبا على صلاة الجماعة مع شهادة من إمام المسجد بذلك». بينما لم نسمع في التاريخ الإسلامي عن المحسنين الذين كانوا يضعون الإعانات على أبواب المحتاجين ليلا صيانة لكرامتهم أنهم كانوا يشترطون عليهم ويساومونهم مقابلها على مظاهر دينية لن يفعلوها خالصة لوجه الله تعالى إنما لوجه كيس الرز وما شابه، الذي علقت الجمعية إعطاءهم إياه على التزامهم بتلك المظاهر والتي حتى لا تمثل جوهر التدين، وللأسف هذا من مظاهر المفهوم السطحي السائد لدينا عن التدين، ولهذا فالواجب إخضاع المتقدمين لتلك الوظائف لتقييم قائم على المعايير النفسية العلمية، مع العلم أن هناك ثلاث فئات عادة ما تعمل في تلك المهن الحساسة، فئة لم تجد وظيفة أخرى وهذا يكون محفزا للإساءة كتنفيس عن إحباطهم من عدم حصولهم على الوظيفة المريحة الجذابة التي يتمنونها، وفئة السيكوباتيين الذين هم بلا أدنى ضمير ولا وازع أخلاقي ويستمتعون بالتنكيل والإذلال للآخرين واستغلالهم لإشباع أهوائهم في فرض سلطة طغيانية، وعادة ما ينجذبون للأوضاع التي يمكنهم فيها ممارسة ميولهم السادية السيكوباتية على المستضعفين الذين لا مجال لهم للدفاع عن أنفسهم، وبالطبع هناك الفئة الثالثة وهي فئة من ينجذب لتلك الوظائف الحساسة لأنه يشعر برسالة قيمية روحية لتقديم تلك الخدمة، وتشجيع ونشر ثقافة التطوع يساعد في اجتذاب هذه الفئة ليكون لها دور أكبر مع تلك الفئات الهشة، وهذا يساعد على رصد وكشف التجاوزات بحقهم، وهذا مبدأ عام، فهناك مهن عديدة في الحياة لا تصلح إلا لمن لديهم حس بأنها رسالة والتزام ذاتي روحي قيمي مبدئي ولديهم السمات الشخصية المناسبة لها مثل وظيفة المشرفين والمشرفات في الحرمين والتي لها أثر تكوين انطباعات لدى الزائرين ليس عن هذا البلد وأهله فقط بل عن الإسلام ككل بالنسبة للمسلمين الجدد، ومن المجالات التي أيضا تحتاج لاستعداد نفسي وقيمي خاص المجال الصحي وكثير من الأخطاء الطبية سببها اللامبالاة، حيث الوظيفة الطبية للعاملين فيها هي فقط وسيلة للحصول على راتب. ولو أمكن أن يكون ضمن شروط القبول لتلك الوظائف الحساسة وجود السمات النفسية والقيمية المناسبة للطبيعة الحساسة والمتطلبة لتلك الوظائف لحصلت نقلة نوعية وجذرية في مستوى الخدمة المقدمة ولتم تفادي الكثير من المظالم والتجاوزات التي تقع بحق الفئات الأكثر هشاشة في المجتمع. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 217 مسافة ثم الرسالة