الأيديولوجيا IDEOLOGY يعد هذا المصطلح مصطلحًا دخيلًا في اللغة العربية، ولكن الأيديولوجيا المكونة من لفظين (علم الفكارة أو الأفكار) كما ترجمها أحد للسانيين المغاربة أضحت مجالا لدراسات متعددة الهدف منها دراسة تشكل الأفكار وتأثير الأفكار، وبعض الدارسين يرى أن الإنسان كائن أيديولوجي بمعنى أنه حتى العيش بلا دين أو مذهب فكري أو فلسفي يعتنقه الفرد هو اعتناق لأيديولوجيا أخرى... هذا الموقف الذي يجعلنا ندور شئنا أم أبينا في فلك أيديولوجيا ما كمفهوم عام تنضوي تحته كل ممارسة لإضفاء دلالة ما، بينا نجد كريماص ينظر إلى الأيديولوجيا مقرونة ب(الأكسيولوجيا)، ويعني كريماص بالأكسيولوجيا نظرية أو وصف أنساق القيم سواء أكانت أخلاقية أو منطقية أو جمالية، وبهذا فالأكسيولوجيا تشير إلى نمط الوجود الاستبدالي للقيم أو يمكن وصفها بكونها التنظيم الأولى للقيم «التي تعطي للحياة بعدها الإنساني الدال وتعتبر النقطة التي توحد الكائنات البشرية من خلال الإمساك بالكون عبر حدود تنظيمية تلتقط الوجود الإنساني في مفاصله الكبرى، في حين يرتبط الفعل الخاص بالسياقات المميزة للتجربة الفردية، وهذه السياقات الخاصة هي ما يشكل عند كريماص الوضع المحسوس والملموس للقيم وهذا الوضع يدرك من خلال فعل ما، وهذا ما يشكل الأيديولوجيا» سعيد بنكراد (النص السردي: نحو سيمائيات للأيديولوجيا ص 39) فالأكسولوجيا هي الوجود القبلي المحتمل للقيم، والأيديولوجيا هي الوجود البعدي للقيم من خلال السياقات المتحققة. وعلى الرغم من هذا التفريق بين حالتين للنظر إلى تشكل الأفكار الإنسانية فهما عند التوسير تعتبران مفهوما واحدا يطلق على الأول منهما الأيديولوجيا العامة والأخرى الأيديولوجيا المجسدة... ويحدد العروي استعمالات الأيديولوجيا بخمسة استعمالات هي: 1) استعمال القرن الثامن عشر حيث تعني الأفكار المسبقة الموروثة عن عصور الجهل والاستعباد والاستغفال 2) استعمال الفلاسفة الألمان وخاصة هيغل حيث تعني منظومة فكرية تعبر عن الروح التي تحفز حقبة تاريخية إلى هدف مرسوم في خطة التاريخ العام 3) الاستعمال الماركسي حيث تعني منظومة فكرية تعكس بنية النظام الاجتماعي 4) استعمال نيتشة حيث تعني مجموع الأوهام والتعديلات والحيل التي يعاكس بها الإنسان/ الضحية قانون الحياة 5) استعمال فرويد حيث تعني مجموعة الفكرات الناتجة عن التعاقل الذي يبرز السلوك المعاكس لقانون اللذة... هذه المفاهيم الخمسة يرى فيها العروي تشابهًا بنيويًا إذ كل استعمال يفرق بين الظاهر والخفي وبين الملموس والحقيقي وبين الوجود والقيمة ويحدد بالتالي الأدلوجة انطلاقًا من الحق الثابت فيرفع قناع الأدلوجة عن الحقيقة الباطنية... هذه الاستعمالات لمفهوم الأيديولوجيا يغلب عليها كما هو واضح الانطلاق من اعتقاد ما مقرونًا في اللحظة ذاتها بالنظر إلى ما يضاد ذلك الاعتقاد، وبهذا تتكون الأيديولوجيا كمفهوم في حالة اجتماع الإثبات والنفي، وهنا تظهر كل مثالب الأيديولوجيا وعيوبها حيث يتم إقصاء كل شيء خارجها، وتتميز الأيديولوجيا بعدم القبول لأي عناصر لا يوفقها وتبدأ باستعمال حيلها لنفي ماعداها، ويوجز رايمون بودون ثمانية معايير مميزة للمنظومات الأيديولوجية هي الطابع الصريح والواضح لصياغتها وإرداتها في الالتفاف حول معتقد إيجابي أو معياري خاص وإرادتها في التميز بالنسبة إلى منظومات معتقدية أخرى ماضية أو حالية وانغلاقها أمام التجديد والطابع المتشدد لاقتناعتها والطابع الإهوائي لانتشارها ومطالبتها بالانتماء وأخيرا ارتباطها بمؤسسات مكلفة بدعم وتحقيق المعتقدات المعينة. ولو نظرنا إلى استعمالات المثقفين للأيديولوجيا في المجتمع المتداول للأفكار لرأينا أن الأيديولوجيا تعني الآن في الاستعمال اللغوي الثقافي في المملكة، هو الفكر الحركي أو ما يسمى بالرديكالي، وأصبح المعنى يتطور ليدل على الفرد المنظم لجماعة أو لحزب سواء كان حركيًا أم لم يكن، كما تطور المعنى ليدل أيضًا على المتعصب للمذهب الديني الإقصائي سواء كان حركيًا أم غير حركي، وتطور كذلك ليشير إلى حامل الفكرة أو المذهب الداعي لها تفريقًا بينه وبين المسلم العادي، كما يعني أيضًا الإنسان الموجه فكريًا دون أن يدري بمن يقوم بتوجيهه، ولعله يحمل في دلالاته كل من يقوم بعمل لا يرضى عنه الإسلام الرسمي في الدولة وبهذا تكون لكلمة (أيديولوجي أو مؤدلج) حمولة سلبية في المجتمع في المملكة السعودية، هذه الدلالات التي تحتملها الأيديولوجيا في الثقافة المحلية الآن، ويجب التعامل مع مفهوم الأيديولوجيا وفقًا لهذا المفهوم الاستعمالي أو الإشارة إليها عند مناقشة الأيديولوجيا بمفاهيمها الأخرى، ولكن الأيديوجيا العامة والأيديولوجيا المجسدة ترتبط كثيرا بالسلطة بكل تجليتها، كما أنها تفرز هي سلطتها بعد ذلك، كما ترتبط باستراتيجيات صناعة المعنى وصناعة القيم وصناعة المستقبل الفكري المعدة مسبقًا وهنا ينبغي التنبه إلى مصانع الأيديولوجيا الخفية التي غالبًا ما تقوم في العالم الثالث المتخلف، وتقوم تلك المصانع الخفية بصناعة معدة مسبقًا للمجتمعات المتخلفة وتوجيه تلك المجتمعات حسب الصناعة الأيديولوجية لتحقيق مكاسب سلطوية هذا التصنيع المتعمد والمسبق للأيديولوجيا يؤدي إلى وضع غير طبيعي لنمو الأفكار في تلك المجتمعات مما يؤدي في النهاية إلى استمرار التخلف واستمرار موجات العنف الأيديولوجي، وهذا يختلف عن الأيديولوجيا في المجتمعات المتمدنة التي تنمو نموا طبيعيًا، ويكون العنصر الضابط لذلك النمو هو الكتلة الثقافية التي توافق عليها المجتمع، تلك الكتلة الثقافية تؤدي وظيفة ما أسميه (ما فوق الأيديولوجيا) التي تنفي مضار الأيديولوجيا، وتتقبل ما ينافيها وفق مقتضيات تلك الكتلة الثقافية التي تجنح للإنساني العام الذي يحمل القيم المطلقة بدون تحديدات وتقييدات الأيديولوجيا المجسدة... إن ما فوق الأيديولوجيا هو ما تحقق في أدبيات التعامل مع المخالف ومع المضاد في التأريخ الإنساني ولم يطبق أحد هذه المافوق أيديولوجيا كما طبقها محمد صلى الله عليه وسلم. (*) أستاذ اللسانيات المشارك – جامعة الباحة