لو قُدّر لك – عزيزي القارئ - أن تلتقي بالمتسببين في الكوارث الثلاث التي هزت المجتمع السعودي و أودت بحياة 15 مواطنا ومواطنة بين جدة وحائل وجازان خلال الأسبوع الماضي ..ثم سألت كلاً منهم على حده عن رأيه في الكارثتين الأخريين لأدهشك وهو يرتجل أمامك خطبة عصماء يرثي فيها غياب الأمانة و المسئولية، و يتباكى على غياب ثقافة الإتقان والإخلاص عن مجتمعنا .. بل ربما شنف آذانك بقصيدة وطنيةً ينتقد فيها المتسببين في الكارثة ويظهر مثالبهم وعيوبهم .. أما إن وجد مزيدا من الوقت فقد يقول فيهم ما لم يقل مالك في الخمر ! · من المؤسف جداً أن مشاكلنا لا تتوقف عند حدود كوننا مجتمعاً يفتقر - في معظمه - إلى ثقافة الإتقان والإخلاص في العمل .. ولا حتى عند حبنا الجارف إلى الثرثرة و ( طق الحنك) .. بل تتعداه إلى ما هو أخطر، وهي حالة النفاق أو الفصام التي تتملك معظمنا عند الكوارث ..فرغم تشابهنا – كمجتمع - في العديد من أوجه القصور التي تكاد تكون سمة عربية غالبة، إلا إن الغالبية منا تنسى عند الكوارث كل أوجه قصورها، و تتحول إلى مجموعة من النقاد ، و المنظرين، و المصلحين و (الشتامين) إن احتاج الأمر.. بل إلى ملائكة مهمتها تعليق المشانق لمن يخطئ من شياطين المجتمع .. رغم أننا ندرك في قرارة أنفسنا أننا لا نختلف كثيراً عن أولئك الخاطئين كثيرا ، وان الفارق الوحيد هو أنهم سقطوا بينما نحن لم نسقط بعد . · المتسببون في الكوارث- أيها السيدات والسادة- لم يأتوا من كوكب آخر .. هم جزء من منظومتنا الثقافية والفكرية و الاجتماعية.. يفكرون كما نفكر ويعيشون كما نعيش ويقعون في نفس الأخطاء التي نقع فيها .. و ما حدث الأسبوع الماضي – شئنا أم أبينا - هو مسؤوليتنا جميعا أفرادا ومؤسسات .. إنها مسؤولية ثقافة مجتمع تعوّد السكوت عن الخطأ طالما لم يتحول إلى كارثة .. و هي أيضاً مسؤولية أفراد يؤمنون بثقافة ( الطبطبة والتلييس) في أعمالهم أكثر من إيمانهم بثقافة الجودة و الإتقان.. كما إنها مسؤولية مؤسسات وجهات تعوّدت غض الطرف والتعمية على أخطاء الكبار والتساهل مع أطماعهم خوفاً وطمعاً . · مشكلة المشاكل بالنسبة للمواطن العربي والسعودي على وجه الخصوص انه يؤمن إيمانا تاما أن التغيير لابد أن يبدأ من عند الآخرين وليس من عنده .. وهي ثقافة تواكلية بامتياز ، أدت إلى شيوع ثقافة سلبية تخرس صوت الضمير و تبرر للخطأ وتدافع عنه .. كما أن انشغالنا المرضي بنقد الآخرين لم يدع لنا وقتا لنقد وتقويم أنفسنا وإصلاح اعوجاجاتها . يقول شكسبير: في القسم الأول من الليل راجع أخطاءك .. وفي القسم الأخير راجع أخطاء غيرك .. إن ظلّ لك قسم أخير !.. و أضيف : في أي مكان رأيت فيه عملا ناجحاً، فاعرف أن وراءه شخصاً ناجحاً اتخذ قراراً شجاعاً بالتفرغ لعمله ، و نقد ومحاسبة ذاته قبل ذوات الآخرين. · لا أريد أن أبدو متشائما لكن ظاهر الأمور يقول أن مسلسل كوارثنا سيستمر، وأن أخطاءنا القاتلة ستستمر أيضاً طالما بقينا مشغولين عن تقويم وإصلاح أنفسنا بجلد الآخرين .. وطالما بقيت الغالبية العظمى منا تعتقد أنها ثلةٌ من الملائكة التي تعيش بلا خطيئة .. لذا يحق لها أن ترجم شياطين المجتمع بالحجارة .