* و ( الطبطبةُ) التي نحن بصدد الحديث عنها ، لا تمتُ بصلةٍ ل (طبطبةِ) فاتنة العرب - وملهمة الفضائيين منهم - نانسي ابنة عجرم ، صاحبة المعلقة الشهيرة ( يا طبطب يا دلّع ) .. بل هي طبطبةٌ من نوعٍ آخر، ورد ذكرها في المثل الحجازي الشهير ( طَبطِب و ليّس.. يطلع كويّس ).. فالطبطبة في لهجة أهل الحجاز تعني عملية ( تبليط ) أرضيات المنازل بالأسمنت ، قبل معرفتهم للبلاط والرخام ومشتقاتهما .. والمثل برمته كنايةٌ عن (الكرّوته) وعدم الإتقان في العمل .. ودعوةٌ مستترةٌ لذر الرماد في العيون، وإخفاء الظاهر من العيوب.. فالطبطبةُ من شأنها إخفاء عيوب أرضيات المبنى ، بينما يُخفي (التلييس) بدوره عيوب جدرانه وواجهاته .. ليبدو لك العمل في ظاهره وكأنه غايةٌ في ( الكواسة ) والإتقان والجودة.. بينما هو في الواقع أبعد ما يكون عن ذلك.. وهذا ما يجسده المثل الحجازي الآخر ( من برا الله الله .. ومن جوا يعلم الله ) ! . * ثقافة الطبطبة -أيها السيدات و السادة- ثقافةٌ عربيةٌ بامتياز .. فهي لم تعد تعيش في أدبياتنا و وعينا الشعبي فحسب.. كما لم تعد قصراً على هوامير البناء.. بل تعدت ذلك لتصبح منهجاً مشروعاً للثراء السريع في نظر الكثيرين ، وطريقة (فهلوية) ينتهجها ( الذيابة) في مجتمعنا لكل أعمالهم .. وقاعدة صناعية و تجارية تمددت بشكل سريع في كل اتجاهات مجتمعٍ يُعجب كثيراً بل يُقدس ( الذيب ) عندما يضرب ويهرب ! .. لتشمل كل شيء تقريباً .. فلا تكاد تخلو منها خدمة.. ولا يسلم منها عملٌ مهما صغُر.. ولا أظنني أبالغ إن قلت إنها دخلت في أدق تفاصيل مشاريعنا الحيوية الكبرى بدءاً بالتعليم ، وليس انتهاءً عند المواصلات و الصحة .. فكل مشاريعها تئن تحت وطأة أرطبونات ثقافة الطبطبة والتلييس .. و أباطرة الغش والتدليس !..وأعوانهم ممن يؤمنون بمقولة ( كُل فطير و طِير)!. * ولأن أحد أهم عيوب مخرجات هذه الثقافة، أنها كالساعات المزيفة ليست ( ضد الماء) في شيء!! .. فإنها تكره المطر وكل ما قرب إليه من قولٍ أو عمل ! .. فالماء من شأنه أن يكشف زيفها و خداعها ، وما تخفيه من عيوب.. ولكم في أمطار (جَده) – بفتح الجيم - خيرُ مثال.. فعندما أغدقت السماء عليها شيئاً من مائها.. سقطت أقنعةٌ كثيرةٌ في الأرض .. فكل ما كانت تتزين به العروس (الجَدة) من أصباغٍ و (عمليات شد) تكلفت المليارات على مدى سنوات ، أزالها الماء في ساعات ، ليكشف عن وجهٍ ما كان أحد يتمنى رؤيته .. فلا الأرض بمخططاتها وعشوائيتها ، و بكل ما فيها من قنوات صرف استطاعت ابتلاع شيء من الماء .. ولا الأنفاق أغاضت قليلاً مما احتبس بها من مياه.. ولا حتى الجسور والطرقات صمدت في وجه الماء !.. حتى أقلعت السماء بلطفٍ من الله .. وقُضي الأمر ..واستوت سيارات (الجَدة ) وأعمدة وكبائن كهربائها لا على (الجودي ).. بل على قوارع ما تبقى من طرقاتها!. * عفواً .. هل قلت في بداية حديثي أن الأمر لا علاقة له بالطبطبة (العجرمية) ؟ .. يبدو أنني كنت مخطئاً .. فالطبطبة والدلال وتربيت الأكتاف على طريقة النواعم ( هيفاء ونانسي ) ، وعدم محاكمة (الذيابة )المقصرين ، والتشهير بهم وبأعوانهم ، هو ما شجع أساطين هذه الثقافة على استمراء الخطأ.. والاستمرار فيه .. ومن يدري فربما يقدمون منذ الغد عروضهم ومناقصاتهم (لتكويس ) وجه (جده) من جديد!! .. فكل من أمن العقوبة- أيها السادة - لابد و أن يسيء الأدب والعمل .. وعلى (قولتهم) : ( علقه تفوت.. ولو نص البلد يموت ) !. [email protected]