يُقال: إن لكل شيء من اسمه نصيبًا، وعطفًا على ذلك قد يتبادر إلى ذهن أي شخص يسمع عن حيي الفيحاء والنسيم بمحافظة جدة أنه سيجد عند زيارته لهما ما يسر النظر، ويستنشق نسمات الهواء العليل، ولكنه يفاجأ حال وصوله إليها برائحة مياه المجاري تنتشر في جنبات شوارعها، وما أن يتوغل إلى داخل الحي، حيث المكان المفترض أن يكون متنزهًا لأهالي الحي، يجد أمامه منشأة ذات أسوار حديدية (شبك) داخلها منصات عملاقة لمعالجة مياه الصرف الصحي، وهذه المنشأة ليست خارج حدود العمران، بل في قلب حي الفيحاء. «المدينة» تجوّلت في الحي الذي يفترض أن يكون نموذجيًّا بحكم أنه من أحدث أحياء وسط جدة وغربها، وكان أول ما استقبلنا الغبار العالق في الهواء جرّاء الحركة المستمرة للوايتات، إضافة إلى المياه الراكدة على جنبات الطريق، والبعوض المنتشر بكثافة في كل مكان، حتى الجرذان كان لها حضور لافت بين ركام المخلفات. وفيما انتقد خبير بيئي وجود محطة لمعالجة مياه الصرف الصحي داخل الأحياء لما تصدره من غازات سامة، وروائح كريهة، ومواد كيمائية خطيرة على الإنسان، قال مسؤول في شركة المياه الوطنية إن أمر إزالة المحطة مرتبط بالمخطط العام متوقعًا إزالتها مع تشغيل محطة المطار(2). معاناة قديمة «المدينة» التقت عددًا من السكان لتنقل معاناتهم المستمرة منذ أكثر من عشر سنوات، وكان أول المتحدثين يوسف سعيد والذي قال: هذه المعاناة تعود لأكثر من عقد من الزمان، وكنا قد طالبنا مرارًا وتكرارًا بإيجاد حل فوري لها، ولم نترك بابًا لأي جهة ذات اختصاص إلاّ وطرقناه لكن دون جدوى. وأذكر أن جريدتكم «المدينة» كانت أول مَن سلّط الضوء على هذه المشكلة، وبالفعل أخرج لنا قصاصة لما نشرته «المدينة» بتاريخ 1421/7/4 العدد رقم 13675. ارحلوا عن الحي! ويضيف: «المسؤولون وعدوا بحلول عاجلة، وأن هناك إجراء لنقل المحطة، والدراسات قائمة لحل هذه المعضلة، ولكن مرت السنون، ولم تتحرك أي جهة لها علاقة، وكان كل ما قالوه مجرد (كلام في الهواء)، حتى أننا في زيارتنا لأحد المسؤولين طلبنا منه نقلها إلى الموقع الذي تم إنشاؤه في الخمرة، فأجابنا بأن الموضوع ليس بالسهولة التي تتخيّلونها، والأسهل لمَن لا يرضيه وجود المحطة أن يبادر هو وينتقل من المكان»!! ما الحاجة لفرق المكافحة؟ وتساءل عبدالإله علي: «لماذا يتم إصلاح الطرقات التالفة في الحي، والسبب المؤدي لتلفها لا يزال يستوطن المكان؟ حيث تتجوّل وبشكل يومي داخل شوارع الحي مئات الوايتات المحمّلة بمياه الصرف الصحي لتفريغها في المحطة، وما الجدوى أيضًا من إرسال فرق الرش لقتل الحشرات والبعوض الناقل للأوبئة طالما أن المنشأ والمصدر لا يزال موجودًا، وهو المحطة؟، أليس هذا إهدارًا لأموال الدولة؟».وتحدث عن أنهم يعانون حتى عند ذهابهم لأداء الصلوات في المسجد حيث الطرقات ممتلئة بمياه الصرف «النجسة» مما يضطرهم في معظم الأحيان لأن يستقلوا سياراتهم . صحة أبنائنا في خطر ويعود يوسف سعيد للحديث قائلاً: «صحة أبنائنا معرضه لخطر دائم، ولا يكاد يمر شهر إلاّ ويتعرض أحد أبنائي لارتفاع مفاجئ في درجة الحرارة، وأعراض الأنفلونزا التي ينشرها البعوض المتغذي على مياه الصرف الصحي في المحطة. نوافذنا مغلقة خوفًا من البعوض وتحدث خالد بافيل قائلاً: أصبحنا حبيسي منازلنا، لا نستطيع فتح النوافذ خوفًا من البعوض والأوبئة، وتفاديًا لدخول الروائح الكريهة الصادرة من المحطة، وسيارتنا تتعرض بشكل دوري للخدوش والتلف جراء اصطدام «الوايتات» بها عند دخولها لإفراغ حمولتها. شركة المياه: إزالة المحطة بعد تشغيل «المطار2» من جهتنا نقلنا شكوى السكان لمدير وحدة أعمال جدة بشركة المياه الوطنية المهندس عبدالله العساف فقال: «أمر إزالة المحطة مرتبط بالمخطط العام، ويتوقع أن تتم إزالتها مع تشغيل محطة المطار(2) «. د.عشقي : وجود محطات الصرف الصحي داخل الأحياء خطأ كبير من ناحيته حذّر أستاذ علم البيئة بجامعة الملك عبدالعزيز الدكتور علي عشقي من تداعيات وجود محطة لمعالجة مياه الصرف الصحي داخل الأحياء لما تصدره من غازات سامة وروائح كريهة ومواد كيمائية خطيرة على الإنسان، بالإضافة إلى أنها سبب لوجود كثيف لأنواع الحشرات الناقلة للأوبئة مثل البعوض. وبيّن أنه من المفترض أن تبعد محطات معالجة مياه الصرف الصحي عن النطاق العمراني على أقل تقدير 10 كيلومترات، والأخذ بالاعتبار اتجاهات الرياح عند تشغيلها بحيث لا تنقل الرياح الغازات الكيميائية التي تصدرها المحطة نظرًا لخطورتها. ويرى د. عشقي أن أغلب محطات المعالجة في مدينة جدة غير صالحة، ولا تعمل بكفاءة، وأن نسبة التشغيل فيها لا تتجاوز 10%.