يبدو أن القضية المثارة ضد المدير السابق لصندوق النقد الدولي (IMF) الفرنسي دومينيك شتراوس كان بالاعتداء الجنسي على عاملة نظافة إفريقية في أحد فنادق نيويورك لم تكن مستغربة حتى على المتهم نفسه. حيث كتب صامويل هنري في صحيفة التليغراف البريطانية يوم الاثنين الماضي 16مايو2011م مقالًا مثيرًا ذكر فيه أن شتراوس كان أجرى حوارًا لم يتم نشره كاملًا مع صحيفة ليبراسيون الفرنسية (Libération) قبل أسبوعين من اعتقاله تحديدًا في 28 أبريل2011م ادّعى فيه أنه لا يستبعد اختلاق سيناريو محبوك ضده مثل إعداد جريمة اغتصاب للإيقاع به، وأنه يتوقع ضربات تحت الحزام من حلفاء الرئيس ساركوزي في حزب اليمين، خاصة وأن سلسلة متكررة من الاستفتاءات رشحته لاكتساح ساركوزي في الانتخابات الرئاسية المقبلة. وذكر شتراوس أيضًا أن لديه ثلاث معضلات ستقف أمامه قبل الانتخابات المقبلة وتتمثل في ثروته الضخمة، وماضيه مع النساء وجذوره اليهودية، حيث إن والدته تعود أصولها لأسرة يهودية من تونس وقد عاش شتراوس جزءًا من طفولته مع أسرته في مدينة أغادير بالمغرب حتى عام 1960م. بالتأكيد أن توقعات السيد شتراوس السابقة قد أشعلت فتيل نظريات المؤامرة ضده، ومما يثير الشكوك حول هذه القضية أيضًا هي الرسالة التي أطلقها طالب كندي يُدعى جوناثان بينيت يدرس العلوم السياسية في باريس عبر موقع تويتر حيث أفشى فيها خبر اعتقال شتراوس قبل تناقله عبر وسائل الإعلام بفترة ليست قصيرة، وعند سؤاله عن كيفية اكتشاف الخبر ذكر بأن أحد أصدقائه يعمل في الفندق الذي حدثت فيه جريمة الاعتداء وأبلغه بالواقعة، والجدير بالذكر أن هذا الطالب تبين لاحقًا أنه ناشط سياسي في حزب الرئيس الفرنسي ساركوزي حزب الاتحاد والحركة الشعبية (UMP)، ومما يثير الشكوك أيضًا ما أفاده الموقع الإخباري الفرنسي على الإنترنت «لي بوست» بأن رسالة التويتر التي أرسلها الطالب نشرت في الساعة 4:59 مساءً بتوقيت نيويورك أي بعد عشر دقائق فقط من إلقاء القبض على شتراوس داخل طائرة الخطوط الفرنسية التي كانت متوجهة إلى باريس والطالب بينيت ادّعى أنه قبض عليه في الفندق، هذا التناقض والتوقيت يثير شكوكًا عن كيفية حصوله على المعلومات. وبالعودة إلى الماضي وتحديدًا في الثامن من يونيو 2007م خلال مؤتمر قمة الثماني قام الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بترشيح شتراوس رئيسًا لصندوق النقد الدولي وهو الأمر الذي أثار حنق العديد من الأوساط الفرنسية، وخاصة الحزب الاشتراكي الذي رأى أن هذا الترشيح سوف يحد من فرص اليساريين في الانتخابات الرئاسية، خاصة وأن مرشحهم شتراوس يعد من أقوى وأكثر الشخصيات شعبية داخل الحزب. لا شك أن ماضي السيد شتراوس مع النساء لعب دورًا كبيرًا في تصيده من وقت لآخر، حيث حرر رجل الاقتصاد الأرجنتيني ماريو بليجير شكوى ضد شتراوس في أكتوبر 2008م ادّعى فيها أن شتراوس أقام علاقة محرمة مع زوجته بيروسكا ناجي خلال منتدى دافوس من أجل تقديم ترقية لها حينما كانت تعمل في أحد فروع المؤسسة في إفريقيا، ونقلت بعدها لتعمل في أحد البنوك المرتبطة بالمؤسسة في لندن. هذه الشكوى فتحت باب التحقيق في واشنطن حول ما إذا كان شتراوس أساء استخدام منصبه ولكن القضية أغلقت لعدم توفر الأدلة لكن زوجة شتراوس الإعلامية المعروفة آن سينكلير صرحت بأن زوجها أقام علاقة عابرة مع بيروسكا ناجي لليلة واحدة فقط، وأنها تناست هذا الموضوع نهائيًا. الجدير بالذكر أن هذه القضية أثيرت بعد 15 شهرًا من إجبار المدير السابق لمؤسسة النقد الدولية الأمريكي باول وولفويتز على الاستقالة لضلوعه في قضية مشابهة حين أقر أنه أمر بزيادة راتب صديقته بمقدار 60 ألف دولار سنويًا. وفي هذا الشأن يقول ميشيل سابان وهو من كبار أعضاء المجلس البلدي في باريس وأحد مؤيدي شتراوس: « أنا مقتنع بأن ما حدث هو مؤامرة دولية، هناك أعضاء في صندوق النقد الدولي يريدون قطع رأسه، وكلهم يعرفون أن نقطة ضعفه تكمن في إغواء النساء، هكذا وصلوا إليه». في العام 2006م صدر كتاب عنوانه «السياسة والجنس» للمؤلف والكاتب في صحيفة لوموند الفرنسية كريستوفر ديلور تطرق فيه إلى الحياة الخاصة للساسة الفرنسيين ومغامراتهم العاطفية وقد أفرد فصلًا كاملًا عن العلاقات الغرامية لشتراوس تحت عنوان «صالون الإغواء السياسي»، والجدير بالذكر أن هذا الكتاب أثار ضجة كبيرة داخل فرنسا وحول العالم وبيع منه أكثر من 150 ألف نسخة. يبدو أن ماضي السيد دومينيك شتراوس وكبواته تجسدت على هيئة المسمار الذي دق في نعش مستقبله السياسي بعد أن كان على بعد خطوات من الانتخابات الرئاسية في فرنسا والمقررة في 22 أبريل المقبل، وعلى الرغم من أنه متهم رسميًا في قضية اعتداء جنسي إلا أن المعطيات التي أمامنا توحي بأنه سقط ضحية لمؤامرة مفتعلة، خاصة وأن هناك تضاربًا عمليًا في المصالح مع الأطراف المحيطة به أو القائمة المليئة بالمستفيدين، وقد تكهنت بذلك المجلة الإخبارية الفرنسية الإكسبريس بأن المؤامرة قد تأتي من أي طرف مثل: حزب اليمين أو حزب اليسار أو من صندوق النقد الدولي. الرئيس ساركوزي وحزب اليمين قد يكونان أول المستفيدين بإزاحة قوة شتراوس من كتلة اليسار، وقد يكون هناك أعضاء في الحزب الاشتراكي لديهم الرغبة في إزاحة شتراوس طمعًا في الترشح بدلًا عنه، الولاياتالمتحدة أيضًا تفضل بقاء رئيس يميني موالٍ للرأسمالية، مؤسسة النقد الدولية هي الأخرى موضع شك؛ لذلك القرائن على نظريات مختلفة من المؤامرة كثيرة، ومازالت تتكشف يومًا بعد يوم. [email protected]