تعليقاً على مقال الأسبوع الماضي الخاص بتجاوزات بعض المستشفيات الخاصة هناك نقاط لابد من إيضاحها. - إن الخدمة الصحية الجيدة مكلفة جداً على مستوى العالم كله خصوصاً في السنوات الأخيرة وذلك لتدخل تكنولوجي هائل في العمل التشخيصي بينما المستشفيات الخاصة مؤسسات تقوم على الربح ولا تستطيع أبداً الاستمرار في العمل ودفع المرتبات إلا باستلام تكاليف العلاج كدخل لها. ولكن سؤالي: مِن مَن يجب أن تحصل على الدخل؟ هل من المريض مباشرة أم هناك حل أفضل؟. - هذا عن العلاج الخاص أما العلاج العام ففي العقود الماضية كانت هناك تناقضات غريبة جداً في المجال الصحي. زال والحمد لله بعضها وبقى البعض الآخر، ومن تلك التناقضات: أ – أن العلاج العام يختلف بشكل هائل من مكان لآخر حيث المستوى أو التكلفة، فمستشفى العيون ميزانية تشغيله عشرين مليوناً ومستشفى آخر للعيون أيضاً تشغيله يكلف 400 مليون. فمستشفى الثغر مستشفى عام والتخصصي مستشفى عام كلاهما ممول من المال العام فقارن بينهما. ب – في الوقت الذي وقعنا فيه عقوداً بمئات الملايين للتشخيص عن بعد لأحد المستشفيات لننقل صور الأشعة لأمريكا لفحصها كانت مستشفيات أخرى لا تجد حتى ولا ورق الأشعة. نشتري روبوتا للجراحة الآلية بينما الملاريا رغم بساطتها تفتك بضحاياها. تشخيص عن بعد والسل يتسلل عن قرب. ج – العلاج في الخارج كان مليئا بقصص قد لا تصدق، هي أكثر خيالاً من قصص ألف ليلة وليلة، سمعنا عن من كان يتردد كل صيف لعدة سنوات على تكساس بحجة علاج أصبعه وسمعنا عن مَن أُرسل صيفاً للعلاج مع عائلته المكونة من ثلاثين شخصاً. في نفس الوقت ينتظر الآخرون ستة أشهر لموعد عملية قد تنقلهم للشفاء أو للقبر. و – ألا عجب أنه مرت فترة، لا أعادها الله، كان الكثير من المواطنين يستجدي العلاج من محسن كبير. نعم يستجدي. يستجدي وهو يعلم أن التكلفة هي أصلاً من مال عام كان له نصيب فيه، ولو أحسن توزيعه لكفاه إراقة ماء وجهه. وكم يذل المرض. هل شعر أحدكم بشعور الأب وهو يركض بابنه إلى مستشفى عام ولا يجد سريراً ثم في المستشفى الخاص يجد السرير ولكن لا يجد في جيبه المال؟ هل جربتم دموعه وطول ليله؟ هل لعنتم لهذا يوماً فقركم؟ فلأن الخدمة الصحية مكلفة للغاية فمن غير العدل أن نترك الفقراء للقطاع الخاص. العلاج في كلا القطاعين به مشكلة فما الحل؟!. الدكتور أسامة شبكشي كان رجلاً مستنيراً جداً وإدارياً ناجحاً وسعى من أجل التأمين الصحي إلا أن الأمر انتهى إلى غير ما أمّل له، فبدلاً من التأمين العام انتهى الأمر بإلقاء المواطنين في بئر الضمان الصحي بشركات التأمين. أي بدلاً من سيف المستشفيات الخاصة أصبحوا بين سيف المستشفيات الخاصة وبلطة شركات التأمين. تلك الشركات التي تؤمن لك ولكن بإمكانها أن تتوقف عن التجديد لك إن أصابك المرض أو تحدد لك سعراً لا تقدر عليه لتخلصها من عبء مرضك. إن التأمين الصحي الذي أطالب به هو المشابه للتأمين في كندا حيث رسم متساوٍ يؤخذ من كل المواطنين يضمن لهم الحد الممتاز من الخدمة الصحية تقدم في مستشفيات يدخلها المواطن كمريض لا كزبون. ذلك الرسم تحدده الحكومة الكندية ويتعالج به المواطن والمقيم والمهاجر أياً كان مرضه أو عمره. تأمين عام يغطي الجميع به يصل حليب الأطفال في كندا إلى بيوت الأمهات حديثات الولادة. وبه تنقل سيارات الإسعاف مريض الكلى من باب منزله إلى موعد غسيله. قارن ذلك بملايين الرسائل للتبرع للغسيل لمرضى الكلى. لماذا يتعالج مريض الكلى بتبرع المحسنين؟ أليس مالنا كافياً لعلاجنا؟ أم كتب علينا أن نقضي حياتنا بين الاسترحام والاستجداء؟!.