قارئ الصحف، ومتابع أخبار إدارة العلاقات العامة في وزارة التجارة -حتمًا- سيلحظ كثرة ورود كلمة «الغش»، فتارة تعلن الوزارة عن مصادرتها لبضاعة مغشوشة، ومرّة تحذّر من ماركة ما بسبب عدم مطابقتها للمواصفات، وهذا في حد ذاته يعتبر غشًّا ترى الوزارة وجوب محاربته قانونيًّا، وبين هذه وتلك لا أخال مواطنًا ينكر أن في مطاردة الغش والتحذير منه، وهزيمته انتصارًا للوطن. ولكن ماذا عن الكائنات المغشوشة؟ أو تلك الكائنات التي تستغل ثقة ولي الأمر وتسيء استخدامها لسلطة المنصب، فتسرق المال العام تحت بند «جلد ما هو جلدك جرّه على الشوك»، وتنهب حق الآخرين ضمن بند «حلال حكومة»، وتُشيّد القصور، وتؤسس لشركاتها الخاصة خارج حدود الوطن أيضًا تحت بند «خلك ذيب أمعط». لا شك أن الاختلاسات، وهدر المال العام يأتي -كنتيجة حتمية- لانعدام المحاسبة، وغياب الشفافية، وضعف الوازع الديني، وتلاشي الحس الوطني، وحينما تجتمع هذه السوءات في النفس الأمّارة بالسوء -أصلاً- فلا محالة من أن يكون الإفساد في الأرض سجية من سجايا تلك الكائنات المغشوشة. لقد آتى مشروع خادم الحرمين الشريفين الإصلاحي أُكُله في محاربة الفساد، وما تشكيل لجنةٍ لتقصّي الحقائق، وكشف أسباب فاجعة جدة، ومحاسبة المقصّرين إلاّ ثمرة يشعر بلذتها المواطن أينما كان. يجب أن يعلم أولئك المقصرون أن سوء استخدام السلطة، وهدر المال العام جريمة نكراء، ترفضها القوانين، والأعراف، والقيم. إن ارتباط الفساد بالنفس البشرية الأمّارة بالسوء يعني أنّ الكائنات المغشوشة موجودة في كل مكان من هذا العالم؛ وأنّ وجودها لا يقتصر علينا فقط؛ فلكلٍ فساده، و لكلٍ حلوله في القضاء على هذه الكائنات. ومثال ذلك ما تمّ في الصين من علاجٍ للفساد على الطريقة الصينية؛ حيث طالبت هيئة مكافحة الفساد في الصين المسؤولين بالإفصاح عن ممتلكاتهم، واستثماراتهم. وبلغ بها الحد في معالجة آفة الفساد إلى تنفيذ عقوبات تصل إلى حد الإعدام في مَن يثبت تورّطه في أي قضية تتعلّق بهذا الأمر. وقد أعدمت السلطات الصينية -بالفعل- قبل عامين مدير الوكالة الحكومية للأغذية والأدوية؛ لتصديقه على بيع أدوية وهمية قاتلة، مقابل رشوة مالية. الكائنات البشرية المغشوشة آفةٌ لا بدّ من مكافحتها بكل الطرق، وكائناتٌ ضارة بالمجتمع لا بدّ من إجبارها على الانقراض. [email protected]