يواصل المسرح العراقي تقديم أعمالا مهمة في جرأتها ومقارباتها النصيّة وفي مستوى مغامرة التجريب التي يخوضها عدد من مبدعي المسرح القومي العراقي.. أخر هذه الأعمال مسرحية «تحت الصفر» للفرقة القومية للتمثيل، نص ثابت الليثي، سيناريو وإخراج وسينوغرافيا عماد محمد، والتي أتى بها لأيام قرطاج المسرحية، وحضرها جمهور كبير، تونسي وعربي، جاء ليكتشف حالة الإبداع العراقي -الآن- هناك.. في هذه المرحلة التي يتنفس فيها العراق بصعوبة. ولأن المسرح العراقي يحضر باستمرار في أيام قرطاج المسرحية، ويحظى دائما بمتابعة إعلامية ونقدية، بعضها متعاطف مع التجربة باعتبار تردّي الوضع الإنساني في العراق، كان لنا هذا الحوار مع المخرج عماد محمد.. * لماذا «تحت الصفر» في أيام قرطاج المسرحية؟ - «تحت الصفر».. هي رسالة مسرحية مهمة جدا تتحدث عن الواقع العراقي بعد سنة 2003، أي بعد الإحتلال الأمريكي للعراق وما آل إليه العراق من تدمير البنية الفكرية والاجتماعية والتحتية، يعني مفاصل الحياة العراقية، وأوصلت الإنسان العراقي إلى حالة الجمود والجليد الذي عاشه الواقع العراقي، ومن هنا فإن «تحت الصفر» انتفضت من هذا الواقع، تنفض لكي تستعرض هذا الواقع، ولتدعو في نهاية العرض إلى رسالة مهمة هي تذويب هذا الجليد الذي أصاب الواقع العراقي بعد هذه المرحلة المؤلمة التي مر بها الإنسان العراقي ودعوة للحرية وللمحبة وللسلام، وكذلك هو صورة من صميم الواقع العراقي مائة بالمائة، وللعلم فإن «تحت الصفر» تم اختيارها من قبل لجنة مهرجان قرطاج من بين أكثر من 18 عرضا مسرحيا عراقيا. * أيّ رسالة كنت تحملها في هذه المسرحية للجمهور العربي؟ - الرسالة كانت واضحة.. مادام هناك إحتلال، فهناك ألم وحزن وانتهاك، وبدونه العكس، الحرية والمحبة والسلام.. هذه رسالة مهمة كوننا شعبا قد نعاني من بعض المشاكل السياسية، لكن هي ليست أسوأ من الإحتلال. * هل يمثل هذا العمل تحول كبير في حياتك المسرحية؟ - نعم .. مسرحية «تحت الصفر» شكّلت نقلة نوعية على المستوى الشخصي في أعمالي بعد 3 مسرحيات أخرجتها بعد 2003 لتكون الرابعة (تحت الصفر) التي مكنتني من تناول الواقع العراقي بعد 2003، وكذلك لتأسيس عرض لغوي عراقي بأسلوب حديث، واستطعت في هذا العرض أن نقدم محلية عراقية ترتقي إلى الإنسانية بشكل مقبول، وأما بخصوص الشكل الفني فأعتبرها من أنضج أعمالي كونها استطاعت أن تبحث كثيرا في عناصر العرض على المستوى الفني، في السينوغرافيا، لتكون مسرحية مهمة ومميزة للمسرح العراقي. * كيف عملت على إخراج «تحت الصفر» في ظل ظروف الواقع العراقي الحالي؟ - الوقع الذي عملنا فيه واقع صعب جدا، لا يُوصف، نحن كنا نعيش وضع أمني متقلب جدا، كنا نعيش عدم اهتمام وعدم دعم المؤسسات الحكومية، رغم أننا فرقة رسمية، لكن هناك إهمال كامل للمشروع الفني والثقافي في العراق، لكن هناك في المقابل تحدي كبير للفنان العراقي والمثقف العراقي أن يكون له دور وموقف من خلال الواقع الذي نعيشه، نحن عملنا وكنا لا نستطيع حتى نصل بأمان ونرجع بأمان إلى بيوتنا، كنا نعمل في مكان واحد وهو المسرح الوطني الذي يبقى من مجموع عشرات المسارح كانت في العراق، وكانت أصوات الإنفجارات في الخارج ونحن نتمرن، كان هناك قتل وسفك وكل أنواع الصور أللا إنسانية المؤلمة في الخارج، كما تعرضنا في ذات يوم للانفجار عندما انفجرت سيارة قرب جدار المسرح نفسه حيث نتمرن، ومع هذا كان هناك إصرار كبير لإتمام هذا العمل لنقدمه في بغداد وفي المحافل الدولية. * وكيف تم عرضها في العراق في ظل تنوع الصور المؤلمة؟ - فعلاً.. رغم ذلك تمكنا من عرضها مرتين على المسرح الوطني ببغداد، وصراحة كان هناك غياب للجمهور، وهذا مرتبط بأزمة الواقع الأمني في العراق، ورغم هذا الحضور المتواضع استطعنا أن ننقل العرض إلى أكثر من محافظة بالعراق، وكان الإقبال الجماهيري ليس كما كنا نطمح، كما اعترضتنا صعوبات أخرى، فكما تعلم مثل هذه الأعمال لديها مواقف ورفض من قبل السلطة السياسية، وكانت هناك محاولات لمنعنا من العرض خارج العراق، حيث وقع الاتصال بإدارة مهرجان قرطاج لمنعنا، وهذا عرفناه لما أتينا لتونس، ولكن إصرار إدارة المهرجان الكبير الغير طبيعي مكّننا من العرض. * كيف يمكن للمسرح أن يعبّر عن واقعنا العربي؟ - بالتأكيد المسرح له تأثيره الخاص على المتلقي، لكن على المسرح أن يكون ملتزما غير تابعا، عندما يكون تابعا لا تكون لديه أي قيمة فنية وإنسانية، عندما يكون حر يكون له التأثير الواضح، عندها تستطيع أن تملك حرية مسرحك، تستطيع أن تملك حرية الملتقي، وبالتالي المسرح عندما يخضع لتلك التبعية لا يستطيع أن يبدع، ولهذا كل العروض التي استطاعت أن تتخلص من تبعية السلطة وتبعية الأنظمة السياسية وتنطلق بحرية كاملة يمكن لها أن تجد الجمهور كبير رغم مزاحمة الوسائل الحديثة. * هل يوجد لدينا مسرح عربي سياسي قادر على تجسيد واقعنا بكل أمانة؟ - المسرح العربي هو مسرح سياسي، بدأ سياسيا ولا زال سياسيا، وهذه القضية متفقون عليها، لكن ليس بالضرورة وإن كان المسرح سياسيا كان مسرحا تابعا، المسرح السياسي موجود في كل العالم وهو مؤثر جدا وقوي، فلهذا المسرح العربي بالرغم أننا نعلم في قناعتنا بأنه مسرح تابع وليس حرا، هناك محاولات حرة استطاعت أن تشاكس وان تقدم أعمالا تهتم بالجانب الإنساني والواقع الإنساني للإنسان العربي وقضاياه، وإن تهرّب من حالة الرقيب الموجود في بلداننا وتقديم أعمال مهمة ومؤثرة على الواقع السياسي. * كيف وجدت المسرح العربي في أيام قرطاج، هل اهتم بقضاياه، ما هي الصورة التي أخذتها عنه؟ - شاهدت العديد من الأعمال.. شاهدت المسرح التونسي الذي هو مسرح مهم جدا، المسرح التونسي يتوجه إلى عمق القضايا الإنسانية المهمة، قضية المرأة وقضية الشباب، قضايا مهمة وحساسة في عالمنا العربي، الكثير يخشون التدخل في مثل هكذا قضايا في أعمالهم الفنية.. أما الأعمال العربية الأخرى فهناك تفاوت كبير بين مستوياتها الفنية فهناك أعمال ممتازة ترتقي إلى الجمال وإلى الخيال الخصب وهناك أعمال بسيطة، وهذا التفاوت طبيعي في الفن.