قبل ما يقارب العقدين من الزمان ثارت ثائرة خريجي أقسام الإعلام في جامعاتنا الموقرة منادية بضرورة إقفالها لعدم جدواها من وجهة نظرهم، إذ كان المعيار الوحيد الذي احتكموا إليه هو عدم وجود فرص وظيفية تنتظرهم حال تخرجهم، وبالتالي ظنّوا أن دراسة الإعلام كتخصص مضيعة للوقت والجهد والعمر!! لا اعتقد أن هذا الأمر لم يزل على ما كان عليه ونحن -منذ الحادي عشر من سبتمبر وحتى هذه اللحظة- نجني سوء عاقبة ما اقترفته الآلة الإعلامية الغربية في حقنا زوراً وبهتاناً. في هذه الأيام تشن إذاعة ال(بي بي سي) أو هيئة الإذاعة البريطانية هجوماً فجاً ضد المملكة فمرة تستضيف إحداهن بوصفها سعودية مُستَلَبة، وتمنحها المساحة الزمنية لتقول إنها تعرضت للضرب من زوجها، ولمحاولة الاغتصاب من محارمها، وتارة يُستضاف مأجور آخر ليتحدث عن جمع التبرعات في السعودية، وأين تذهب. لا اقول إننا ملائكيون وليس لدينا أخطاء ومشاكل، بل نحن مثل كل البشر لنا ما لنا وعلينا ما علينا. ولكن السؤال المقلق -بالنسبة لي- حد الوجع هو، هل لنا مشروع ثقافي وطني كسائر المجتمعات والشعوب والأمم والحضارات؟ إذا كان الجواب بنعم، فأين هذا المشروع من تصحيح الأخطاء التي تثار ضدنا إعلامياً في مشارق الأرض ومغاربها، والتي تنتقد سلوكياتنا كسعوديين؟، لماذا لم نستطع بعد مرور أكثر من ثماني سنوات على أحداث سبتمبر من تغيير فكرة الآخر عنا كسعوديين؟ لماذا لم تزل الشركات الأمريكية تمتنع عن التعامل مع أبنائنا هناك بحجة سوء السمعة؟ إن المطالبة بتبني مشروع ثقافي متسامح ومتقبل للآخر ضرورة ملحة ليت مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني يأخذها بعين الاعتبار في ملتقياته الحوارية الفكرية القادمة. وليت وزارة الثقافة والإعلام الموقّرة تتبنى المشروع ذاته عبر قنواتها الأربع الجديدة. إنّ صياغة رؤية واضحة ذات أهداف بعيدة وقريبة المدى لمشروع ثقافي وطني هو مطلبٌ ملحّ في ظل التحولات الكبيرة التي تعيشها المملكة. وإن هذا الوطن قادر بقيادته المخلصة وبصدق نوايا أبنائه وبناته على استبدال الصورة القاتمة التي رُسمت عنه في ذهن الآخر بأخرى أكثر نقاءً من الماء الزلال وأكثر نصوعاً من شمس الظهيرة في قلب صحراء ممتدة. فمتى نبدأ التنفيذ؟ [email protected]