قبل انفتاح الفضاء، وتحطّم تخوم الأرض أمام الإنترنت، لم يكن يجرؤ أحد الكتّاب المنتقدين لموضوع ما أن يوردوا عبارة “فساد مالي وإداري”، خشية المساءلة القانونية، وبالتالي تأتي أغلب طروحاتهم مهجّنة بين الغموض والوضوح، وأحيانًا بلا رؤية واضحة، لا لسبب معيّن سوى الخوف من العواقب. ولكن ما حدث في جدة من فيضانات -كشفت معها سوء حال العروس- حفّز معشر الكتّاب نحو وصف الكارثة بالفساد، فمنهم مَن يراها فسادًا ماليًّا، وآخرون يرونها فسادًا إداريًّا. إن ما حدث لعروس البحر الأحمر هو كارثة يجب التحقيق فيها، ومحاسبة المتورّطين ماليًّا، أو إداريًّا إن وجدوا، حيث إن تفعيل العقاب القانوني الرادع في حق المقصرين سيحد من موجة الفساد، وسيسهم في تعزيز الانتماء الوطني، والشعور بالهوية الوطنية. لا أخال مجتمعًا يخلو من الفساد، ولكن الأهم -بالنسبة لنا- كيف نقضي على الفساد بأساليب علمية ناجعة؟ يرى كثير من علماء التربية والاجتماع وعلم النفس أن للفساد الإداري والمالي علاقة وثيقة بالفساد السلوكي للفرد، وتبدأ معالجته عن طريق المدرسة، ومن خلال غرس القيم الفاضلة في نفوس النشء، فالصدق، والأمانة، والشفافية، واحترام الآخرين، حينما تُعلّم للصغار ستدفعهم لاحترام المجتمع كبارًا، وعندما يحترمون مجتمعهم، سيحترمون المصلحة العامة إذا ما أصبحوا مسؤولين، وأصحاب قرار!! إن مشكلة جدة مع المستنقعات، ومياه الشرب، وتصريف السيول، مشكلة أزلية، تنشر تفاصيلها سنويًّا عبر وسائل الإعلام، ولكن أمانة مدينة جدة لا تسمع، ولا ترى، ولا تتكلّم، بل إن التساؤلات ما تزال قائمة حول حقيقة وجود قسم للعلاقات العامة داخل الأمانة؛ لينقل لمسؤوليها حقيقة ما يحدث خارج المكاتب، طالما أنهم لم يكلّفوا أنفسهم مباشرة الأعمال الميدانية. حقيقة القول، إن أمناء مدينة جدة الذين تعاقبوا عليها لم يضعوا لهم بصمة تميّز كل واحد منهم عن غيره، لذلك لن ينتظر المواطن السعودي في جدة تبريرًا لهذا التقصير من أمين مدينته، ولا أعتقد أنه يحتاج لهذا التبرير، طالما أن جدة بأكملها بين يدي أمير منطقة مكةالمكرمة خالد الفيصل، فسموه الفيصل بين جدة وأمنائها..