الله سبحانه وتعالى فرض الحج على المسلمين ليتقوه وليسيروا في طريق التوحيد والاخلاص وحسن الخلق على ما سار عليه ابراهيم الخليل ومحمد صلى الله عليه وسلم وبقية الانبياء مجيبين لدعوتهما عليهما السلام (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) [الحج: 27]. ومنذ ان صدع ابراهيم عليه السلام بهذا النداء لم تنقطع الجموع المؤمنة عن مكة ملبية نداء الخليل رافعة اصواتها بالتلبية لله والبراءة من الشرك، سالكة طريق الرحمة وحسن التعامل مع الاخرين، وقد بين الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أن: (أفضل الجهاد حج مبرور) رواه البخاري. والحج المبرور هو الذي لا يخالطه اثم كما قال بعض العلماء، واذى الناس من اعظم الاثم وما يفرق بينهم ويمزق وحدتهم ويسيء اليهم. كما ان في الحج منافع للناس من الالفة والتعارف والبيع والشراء والتعاون على الخير والاحسان الى الناس وشنر الرحمة والالفة بينهم (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ) [الحج: 28] ولا شك ان هذه المنافع لا تتأتى بين الناس الا بالاختلاط والتعارف المحدد بضوابط الشرع البعيد عن الفسوق والجدال واذى الناس وغير ذلك مما يفرق الناس وينشر البغضاء بينهم ويبعد بعضهم عن بعض بل نصت الاية على الاطعام وهو من الرحمة والاحسان ويقول تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ) [البقرة: 197] كما ان الله سبحانه وتعالى حث الناس على التعارف في قوله: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) [الحجرات: 13]. ولا شك ان اجتماع المسلمين في الحج فيه من التلاحم والترابط ما يعرف به بعضهم بعضاً، ويكون في هذا التعارف تواضع وعدم غطرسة او كبرياء او تكبر على الاخرين فاكرم الناس هم المتقين والله اعلم بالعالمين.. وانتشار العلم الشرعي الصحيح في حد ذاته من اهم اسباب الرحمة بين المسلمين، حيث ان التمسك بهدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو من اهم اسباب حسن الخلق والتعامل بين الناس وقلة الخلاف، وللعلماء دور بارز في توجيه الناس في موسم الحج سواء من ذلك ما يتعلق بارشاد الحجاج في مناسكهم او ما يتعلق باخلاقهم وتعاملهم مع الاخرين وسائر ما يساعدهم في امور دينهم ودنياهم، وعلى الدعاة العاملين بين الحجاج ان يركزوا على تحبيب المسلمين بعضهم ببعض وتخلقهم بما يحب الله ورسوله من الرحمة بالاخرين والعطف عليهم وحسن التعامل معهم وزيادة التعاون والمحبة بينهم. كما ان على الحجاج انفسهم واجبات عظيمة فيما بينهم سواء منهم الحجاج من داخل المملكة او خارجها فهي فرصتهم في مساعدة الاخرين بما يستطيعون. ولا يفوتني التذكير اننا نرى في هذا الموسم العظيم اعمال بر مختلفة يقوم بها الموسرون من ابناء هذه البلاد خاصتهم وعامتهم لسقيا الحجاج وتقديم الطعام لهم مما انعم الله به عليهم مما يجعل المسلم يحس بعمق بتلاحم اخوانه المسلمين ورحمتهم لبعضهم البعض وخدمة بعضهم لبعض في مثل هذا الموسم العظيم. كما ان اناس يقدمون بانفسهم خدمات واحسان للاخرين سواء بصفتهم الفردية او الرسمية هي من باب الرحمة والتعاون على البر والتقوى ونشر الرحمة بين العباد، فحري بالحاج نفسه استشعار الرحمة بالاخرين والاحسان اليهم والبعد عن كل ما يؤذي الاخرين باي شكل من الاشكال والله المستعان وعليه وحدة التكلان.