اللعبة ببساطة؛ حين يستوعب الفرد ضمن الجماعة أنه يشتري قطعة قماش، حقيبة مثلاً أو أي سلعة يستخدمها يتجاوز ثمنها قيمته كإنسان؛ أو مُختصراً دليل تحضره في اقتنائها؛ فإن تلك القطعة ستبور وتكسد ولن تجد لها مشترياً وسيخسر التاجر! لهذا كان مهماً لدى «الرأسمالية العالمية» الاهتمام بصناعة وتمكين «التافهين» عبر الصرف عليهم ببدخ ومنحهم مبالغ طائلة كقيمة للإعلانات عبر حساباتهم في مواقع التواصل؛ وذلك لاستخدام هؤلاء التافهين في تسويق بضاعتهم التي لن تُباع إلا في ظلّ نشر «ثقافة التفاهة» التي ينتجونها!. هكذا ببساطة لن نتفاجأ حين نجد شركات عالمية كبرى تتوجه إلى «التافهين» في مواقع التواصل الاجتماعي ممن اشتهروا عبر تصرفات عبثية مُستهجنة، وسلوكيات مُخالفة للأخلاق والذوق العام، فذلك ما يصنع «الشهرة» على مبدأ «خالف تُعرف»! بعدها وجدنا»نجوم التفاهة» يركبون طائرات خاصة، وسيارات باهظة الثمن، ويسكنون فنادق فاخرة ليس من أموالهم بل بأموال الشركات التجارية التي تستضيفهم وتُسوقهم تسويقاً لثقافة التفاهة لبيع بضاعتهم على من يصدق «التفاهة»! ما يؤكد كلامي؛ أنه في مواقع التواصل الاجتماعي نجوم آخرون من علماء وأطباء ومثقفين وأدباء وإعلاميين أيضاً يعتبرون مؤثرين في مواقعهم ومجالاتهم؛ ولكن الشركات العالمية التجارية لا تتجه للإعلان في حساباتهم!، إذ ليست من أهدافها صناعتهم كونهم يمثلون خطراً على «ثقافة التفاهة» والتي تخدمهم في بيع بضاعتهم! المؤسف جداً؛ بسبب ما حصلوه من ثروات باتت «التفاهة « هدفاً لدى الكثيرين؛ فهي تحقق الأحلام السريعة وتجعل من هو مفلس مهماً؛ وساعد على ذلك تنجيم وسائل الإعلام كالصحف والقنوات التلفزيونية ذات المشاهدة العالية لهؤلاء؛ سواء دون قصد من خلال الإعلاميين ضعيفي الخبرة ممن يكتسبون ثقافتهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي ويجدون هؤلاء التافهين ضيوفاً رائعين!، أو بقصد إذا ما وقعت وسائل الإعلام فريسة «الرأسمالية» وحاجتها إلى إعلانات تنعشها مادياً عبر فواصل البرامج، وعليها إرضاء التجار الذين يسعون إلى تمكين «التافهين» إعلامياً لتسويق بضاعتهم! حتى وإن كان إنجازهم «عداد المتابعين» والمأساة أن يتم استضافتهم في برامج حيوية ومن قبل إعلاميين مُحترمين في برامج تعودنا فيها مشاهدة مفكرين ومبدعين؛ فتساوت الرؤوس لدى المشاهدين وهم يسمعون تحليلاتهم في قضايا المجتمع والاقتصاد!. ثم تحولت هذه القنوات إلى منافسين لمواقع التواصل الاجتماعي وصنعوا برامج عنونوها بعناوين مواقع التواصل الاجتماعي وتحولت سنابات التافهين وأخبارهم وأسفارهم إلى مادة خبرية تتم مناقشتها في البرامج التلفزيونية، وشيئاً فشيئاً بتمكين ثقافة التفاهة باتت بعض المؤسسات لتسويق بضاعتها الجادة لا تجد سوى «مشاهير التفاهة»!، فتستضيفهم في الصفوف الأولى من الفعاليات كإعلاميي «غفلة» رامية بأهل الرأي والثقافة والإعلام في الصفوف الخلفية! ثم تحولوا في المؤتمرات والمنتديات من الصفوف الأولى إلى استضافتهم «كمتحدثين»!! لنشر فوائد «ثقافة التفاهة» من خلال تجاربهم الذاتية!. هكذا باتوا يُستضافون عبر القنوات التلفزيونية والمؤتمرات الرسمية بل وتُخصص لهم برامج يقدمونها فيما يجلس الإعلامي الحقيقي في الهامش فقط لمجرد «إرضاء المُعلن التاجر» متناسين أن استضافة هؤلاء أمر مسيء؛ فمن يستضيف التفاهة سوى ضحالة المستضيف! في المقابل لا يمكن أن نضع كل مشاهير «اللحظة» في مواقع التواصل الاجتماعي بسلة واحدة، فقد أخرجت لنا مبدعين جدداً استخدموا منصاتهم لتسويق موهبتهم كفنان ومصمم أو أديب أو صانع أطعمة وحتى كمذيع موهوب لكن هؤلاء قلّة، والإعلام الحصيف المهني ينزلهم منازلهم ولا يستضيفهم كمحللين!. والجيد اليوم ونحن نعيش أجواء «الحجر المنزلي» وقوانين «حظر التجول» لمكافحة «عدوى» فيروس كورونا أن هذه الفترة كانت تحدٍّ لمشاهير التفاهة! فهم بحاجة إلى مُحتوى في حساباتهم كان يوفرها لهم المُعلنون التجار عبر استضافاتهم فيما يجعل المتابع يلهث وراءهم؛ فلا رحلات ولا جولات ولا مطاعم فقط جدران الحجر المنزلي!، ولأن «العبثية» سبب شهرتهم أوقعتهم في مآزق جعلتهم يتساقطون يوماً بعد يوم، مرة في قبضة رجال الأمن ومرات من أعين متابعيهم بعد أن ملّوا تفاهتهم! وعرفوا الفرق في ظلّ «أزمة كورونا» بين المشاهير وبين المؤثرين!، فليس كل مشهور مؤثراً وليس كل مؤثر مشهوراً!، وهكذا توجه المتابعون إلى المؤثرين إن كان طبيباً أو كاتباً أو عالماً أو إعلامياً يحمل حسابه المعرفة التي يحتاجها لمواجهة «الأزمة وتداعياتها» وأدركوا أن ذلك المشهور التافه بات «مقرفاً» فلا يمنعه ذوق عام ولا يحترم مجتمعاً ولا يدرك التحضر الإنساني، لهذا لا مانع لديه أن يأخذ ماء بالوعة يضعه في كأس شاي بكل قرف أو يشرب ديتول أو يهايط ويُحضر حلاقاً أو يتحدث بلغة نابية مع متابعيه!. أخيراً، أعتقد أن «فيروس كورونا» كما جعل الأرض تتنفس وحيواناتها تسعد ببيئة نظيفة حين تم «عزل الإنسان» فإن له دوراً كبيراً أيضاً في نفض التفاهة عن «الوعي» ولذلك «ثقافة التفاهة « بعد «كورونا» لن تكون كما كانت قبلها!.