اقترحتُ في مقال سابق تأخير وقت بداية اليوم الدراسي لما بعد التاسعة صباحاً، بناءً على توصيات ودراسات وملاحظات علمية أشارت إلى فعالية هذه الخطوة في ضمان نوم الأطفال والمراهقين بشكل كافٍ خلال ساعات الليل، والأثر الإيجابي لذلك على صحتهم البدنية والنفسية والسلوكية، فضلاً عن تحسّن تحصيلهم الدراسي ودرجات موادهم المُختلفة. وهنا أنقل تصريحاً للدكتور «بول كيلي» الباحث في علم النوم والأعصاب والساعة الحيوية بجامعة أكسفورد البريطانية (عام 2015)، دعا فيه إلى اعتماد أوقات متأخرةٍ نسبياً لبداية الموظفين أعمالهم الصباحية، حيث رأى - استناداً على بحوث - أن من غير المناسب إطلاقاً أن يبدأ الموظفون دوامهم قبل الساعة (10 صباحاً)، واعتبر الأوقات الاعتيادية لبداية العمل (8 صباحاً وما قبلها) نوعًا من «التعذيب» !! حيث تتعرض نتيجة ذلك أجهزة الجسم إلى ضغوطات شديدة غير مُبررة. وفي السياق نفسه، فإن اختراع الكهرباء وإنارة ساعات الليل وانتشار التقنية الحديثة كالقنوات الفضائية والهواتف الذكية وشبكات التواصل الاجتماعي، تتسبب في تأخر ساعات النوم ليلاً للأطفال والبالغين، وتعرِّض كثيراً منهم إلى مُضاعفات الحرمان من النوم نتيجة مُتلازمة تأخر مرحلة النوم، ثم الاضطرار للاستيقاظ مبكراً جداً للاستعداد مباشرة للعمل أو الدراسة، في حين لا يبدأ الذهن في الاستيعاب والتركيز المطلوب إلا بعد الساعة (9) صباحاً كما هو معلوم عن الساعة الحيوية الفطرية، ولعل هذا يفسر تعكّر المزاج لدى كثير من الناس عند استيقاظهم للدوام والدراسة، وشعورهم بالنعاس المُفرط خلال الساعات الأولى لبداية دراستهم أو وظائفهم، مما يعرّضهم إلى خطر حوادث السيارات وانخفاض أدائهم العملي ورداءة تركيزهم في موادهم الدراسية وضعف تذكّرهم للمعلومات المهمة، واضطرار كثير منهم لتناول جرعات مركّزة من المنبّهات (الكافيين) لتنشيط أجسامهم وأذهانهم، وهم من يوصفون أحيانا أنهم «أشخاصٌ غير صباحيين». أقترح إجراء دراسة علمية وطنية موسّعة في المجتمع السعودي للأنماط الاجتماعية والاضطرابات السلوكية والعضوية المرتبطة بالساعة الحيوية وأوقات النوم والاستيقاظ، ومدى ملاءمة تأخير أوقات العمل والدراسة إلى ما بعد الساعة (9) صباحاً، لترك وقت كافٍ للفرد لصلاة الفجر والذّكر بخشوع ورويّة، والتمتّع بإفطاره أو ممارسة رياضته الصباحية، قبل الانخراط في عمله أو دراسته التي أقترح الفراغ منها الساعة (4) عصراً، على أكثر تقدير.