في ظل متغيرات الحياة المعاصرة وتطوراتها فإن التربية الحديثة تهتم بتعليم الحياة، وليس فقط بتعليم المعارف والعلوم، كما تهتم بالطالب ونموه كوحدة متكاملة من جميع جوانب شخصيته الانفعالية والعقلية والاجتماعية بشكل سليم. والتربية الحديثة تركز اهتمامها بالطالب باعتباره محور العملية التعليمية وركناً أساسياً من أركانها، ولابد من التعامل معه تربوياً وإنسانياً بالشكل الذي يليق به وبمشاعره وأحاسيسه وميوله وأفكاره وتطلعاته، وقد يؤثر في تلك الاتجاهات والميول أساليب تربوية وافدة وأفكار تخالف في الغالب الاساليب التي تعود عليها أو تعلمها أو اكتسبها، ولاشك أن المجتمع المسلم له أساليب وأفكار ينطلق منها حسب توجهات دينه وقيمه التي تأصلت به، ولكن من يكتشف المؤثرات الخارجية وأثرها في سلوكيات النشء من الشباب والشابات، ويتعرف على قوة أو ضعف تأثيرها في مسيرتهم في الحياة؟! لاشك أن البحوث الاجتماعية والإنسانية هي التي ترصد المتغيرات التي يشهدها المجتمع، إذ تساعد على رفع المستوى الثقافي والحضاري والعناية بالقيم والتراث الفكري فهي التي تمحص المجتمع وتفهم المنتمين إليه بخصائصه وقضاياه والمشكلات التي يعانيها وكثير من القضايا الاجتماعية التي لا يمكن فهمها والسيطرة عليها إلا من خلال البحوث الاجتماعية والإنسانية. فعدم الاهتمام بهذا الجانب يجعل التغير الاجتماعي والثقافي في اتجاه مخالف تماماً لواقع المجتمع، وإذا نظرنا إلى التغيرات الكثيرة التي تحدث في حياتنا المعاصرة التي منها ما تكون له علاقة بتغيرات البيئة الأسرية، ومنها ما تكون له صلة بالبيئة الاجتماعية ومنها ما تكون له علاقة بالتقدم العلمي، فإن لم يكن هناك إعداد ومواكبة لهذا التغير بثوابت دينية وقيم أخلاقية، فقد يكتسب المجتمع حضارة وتغيراً من مجتمعات أخرى ويكون بين حضارة وقيم وطنية أصيلة وقيم وعادات مستوردة، وغالباً يحتاج التخلص منها إلى جهد ووقت ليس بالقصير وتكون لها آثار سلبية في حياة المجتمع وتقدمه، لأن تقدم الأمم مرهون بحضاراتها وقيمها الأصيلة، فالبحوث الاجتماعية والإنسانية قادرة على تقييم المؤثر في المجتمع من الخارج وتستطيع أن تقدم الحلول والمقترحات الجيدة، لذا علينا أن ننظر إليه بمنظور إيجابي ونفعل ما نتوصل إليه من مقترحات وحلول حتى نضع ما يتناسب ومسايرة المجتمعات الأخرى وفق منطلقات وثوابت مجتمعنا، إذ إن وسائل الاتصال والتنقل وتداخل الحضارات والسكان أصبحت اليوم أسهل بكثير مما كانت عليه في السابق، مما يلزم المجتمع بتقديم الأفضل لأفراده من خلال الوسائل الإعلامية والتعليمية المؤثرة والموجهة، وبهذا نكون قد استطعنا توضيح أثر المؤثرات الخارجية وكيفية التعامل معها، وذلك بالإعداد الجيد في عالم سريع التغيرات، سريع الأحداث، سريع نقل المعلومات، كثير المفاجآت والمتناقضات، فواجب المتخصصين في علم الإرشاد وعلم الاجتماع هو إظهار دورهم بإعداد البحوث الاجتماعية ونشرها في المجتمع من أجل الاستفادة منها، والله الهادي إلى الخير.