محمدٌ رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلة الأرحام، الرحم أيها الإخوة معلّقة بالعرش، تقول من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله، وربنا قبل ذلك حذَّر من قطيعة الأرحام: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ}(22)سورة محمد. أيها الإخوة القراء كان نبيكم - عليه الصلاة والسلام - يصل أرحامه، وما أحوجنا إلى صلة الأرحام والاهتمام بالأعمام وزيارة الأخوال، وتقريب ذوي القربى في وقت قلبت فيه الموازين، وغيّرت المفاهيم، فأصبح الكثير منا يصل أصدقاءه، يزورهم، يستضيفهم، يقرضهم، يساندهم، يعاونهم، وفي كل خير ولكن ذوي القربى أحق وأحق، كان محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم مع القريب قبل البعيد، كان يعطف على أقاربه، ويحبهم ويقرِّبهم فها هو مع فاطمة ابنته - رضي الله عنها وأرضاها - يحذّرها فيقول: يا فاطمة سليني من مالي ما شئت، لا أغني عنك من الله شيئاً، يا عباس عم رسول الله، لا أغني عنك من الله شيئاً، ثم لما أسر عمه العباس يوم بدر حزن النبي صلى الله عليه وسلم فقال لعمر: يا عم أيقتل عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ثم هو مع علي يزوّجه بفاطمة محبة في صلة الأرحام، ولما قتل عمه حمزة أسف وحزن، ولما قتل ابن عمه جعفر قتلته النصارى الغادرون حزن لذلك وذرفت عيناه، وذهب إلى أبنائه يواسيهم ويقول للناس: (اصنعوا لآل جعفر طعاماً، فقد أتاهم ما يشغلهم). إنها صلة الأرحام التي دعا إليها الكتاب العزيز والسنة المطهرة، كان نبيكم - عليه الصلاة والسلام - يقرّب بني هاشم ويحبهم، ويأمر بصلتهم، والمواقف في هذه مشهورة، حتى كان آخر حياته أن أوصى بذريته وولده. هل سيعي أولئك الذين قطعوا أرحامهم، فلا يجتمعون بهم إلا في مناسبات محدودة وأيام معروفة ويصافحونهم على استحياء، وأما أولئك الأباعد فقد قرّبوهم، مع أنه كان الأجدر بالمسلم أن لا ينسى عمه أو خاله، بل وصل ببعض الناس أن هجر والده، فلا يتصل عليه إلا قليلاً، ولا يصافحه إلا قليلاً، كل ذلك من عدم التوفيق لذلك الذي هذه حالته. أيها القراء: إنه لا فلاح للمسلم إلا بصلة الأرحام، وأولى الناس بالصلة هم الوالدان، قال ربنا: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} (22- 24)سورة الإسراء. ولما جاء رجل إلى نبيكم - عليه الصلاة والسلام - وقال: من أحق الناس بحسن صحابتي؟ ماذا قال أعلم الناس - عليه الصلاة والسلام - هل قال المعلّم أو المربّي أو الأستاذ أو الجار أو الصديق أو من له معروف عليك أو من هو أكبر سناً؟ قال: لا، أحق الناس بحسن صحابتك أمك. فقال الرجل ثم من؟ قال: ثم أمك. قال ثم من؟ قال: ثم أمك. قال: ثم من؟ قال: ثم أبوك. فهل يعي أولئك الذين هجروا آباءهم. وتنكّروا لمعروفهم!! هل سيعون كيف كان خلق الرسول صلى الله عليه وسلم؟ نعم، لقد ماتت أمه، ومات أبوه ونشأ يتيماً، ولكنه مرَّ على قبر أمه فذهب إلى قبرها ثم بكى، فأتى إليه عمر ووقف معه يبكي، فقال: تبكي وأنت رسول الله؟ فقال: يا عمر إني استأذنت ربي أن استغفر لأمي، فلم يأذن لي، فاستأذنته أن أزور قبرها فأذن لي، إنها صلة الأرحام. أخي العزيز اذهب إلى من أحزنتهم فأفرحهم، وإلى من هجرتهم فسالمهم، وإلى من قطعتهم فصلهم وإن لم تفعل هذا كله فإلى متى إلى متى إلى متى. (*) المجمعة