* أقول لكم بكلِّ صراحة ووضوح؛ أنّي كنت وما زلت؛ من أحرص الناس؛ على متابعة (كل) ما يصدر عن وزير الشئون الإسلامية؛ الدكتور (صالح آل الشيخ)، وعن وكيل الوزارة الدكتور (توفيق السديري)؛ من أقوال وتصريحات وتعليمات؛ تخص الإصلاح في هذا القطاع الحيوي في حياتنا .. فأنا أقرأ لهما كثيراً، وأسمع لهما كثيراً؛ لكني حين أتلفّت حولي؛ لا أرى ما يترجم بواقعية؛ ما أسمع عنه وأقرأ عنه..!! * منذ الحادي عشر من سبتمبر المشئوم؛ أي منذ أربع سنوات فارطة، وهناك تعليمات وتوجيهات وتنظيمات تصدر بين فينة وأخرى، وهي بطبيعة الحال؛ تستهدف تقييم وتقويم الخطاب الديني المنبري على وجه التحديد، الذي قلت عنه قبل اليوم؛ بأنّه (خطاب كارثي)..! وأقول عنه اليوم: بأنّه (خطاي كارثي) أيضاً..! ولكن ما يصدر من (قرارات) - إن صحّت التسمية عندي - ظلّت في جانب كبير منها؛ حبراً على ورق، وظل (بعض) خطباء الجمعة - مع كلِّ أسف - مثلما كانوا أو أزيد؛ يجدفون ضد التيار الوطني العام؛ الذي أخذ يسير نحو (الإصلاح والتعقُّل والاعتدال والوسطية)، وكأنّ هذا البعض النشاز؛ ليس مواطناً سعودياً؛ يهمه ما يهم بلده ومجتمعه وحكومته، وليس موظفاً تابعاً لوزارة حكومية عامة؛ تصرف له مستحقات نقدية، وتطالبه بالتقيُّد بأنظمتها وتوجيهاتها؛ التي تتمشى مع السياسة العليا للدولة، وتبني في صف وحدة ترابها، وتراعي تماسك مجتمعها، واحترام حقوق مواطنيها كافة؛ على مختلف مذاهبهم، دون غمز أو لمز؛ يصل في بعض الأحيان، إلى حد التشكيك في عقائد ونوايا شرائح من هذه اللحمة الوطنية الواحدة؛ أو تكفيرهم، أو نفي صفة الوطنية عنهم. * أقول هذا الكلام؛ وأنا أعرف جيدا؛ الرغبة الصادقة عند (كثير) من مسئولي هذه الوزارة الكبيرة، وفي مقدمتهم الدكتور آل الشيخ والدكتور السديري؛ - وفقهم الله ووفقنا لما فيه الخير والصلاح - وأعرف كثيراً من خطباء جمعة، وأئمة مساجد، ووعّاظ محاريب بعد الصلوات المفروضة، وهم - بحمد الله - مواطنون صالحون، صادعون بالحق، يحرصون على نشر السلام والوئام والمحبة والفضيلة، والدعاء لولي الأمر بالتوفيق والسداد والنصر، وخاصة على الإرهابيين وخوارج العصر، ويحذِّرون من غوايات التطرُّف، وشرور التشدُّد، وبغي الإرهاب .. ولكن هناك بالمقابل؛ (أضعاف - أضعاف) هؤلاء؛ هم على النقيض من ذلك تماماً؛ فهم لا هم لهم إلاّ الكلام على الجهاد المزعوم في العراق، ولا شاغل لهم إلاّ الدعاء مع البكاء؛ لنصرة (المجاهدين في كلِّ مكان) على حد قولهم؟!! وتهويل المسائل الخلافية بين من هم أكبر منهم فقهاً وعلماً، وقد يصل الأمر إلى نقد فقهاء كبار في الدولة، وفي غيرها من بلاد المسلمين؛ انطلاقاً من نزوات وتصفية حسابات لا أكثر.. * هذا بدون أدنى شك؛ همٌّ كبير يواجه وزارة مثل وزارة الشئون الإسلامية، لكن السؤال الملح؛ هل هي تواجهه فعلاً بالقدر الذي يستحق؟ أم تكتفي بالنُّصح والتمنِّي وطول البال، وتنهج سياسة النفس الطويل؛ الذي يكاد يقطع كل الأنفاس؟!! * أعلم أنّه ليس من حقنا مصادرة آراء أو وجهات نظر خطباء الجمعة؛ ولكنّها وجهات نظر وآراء؛ يجب أن تبقى في إطارها الخاص بأصحابها وحدهم، وهم بالتالي ليس من حقهم فرضها علينا بقوة منبر الجمعة؛ الذي لا يشبه حواراً فضائياً متلفزاً؛ أو طرحاً في مطبوعة؛ يسمح فيه بالأخذ والرد، وطرح وجهة نظر مغايرة، بل يأخذ شكل الإملاء من عل، وعلى الكل الصمت وعدم المعارضة..!! * هذا الأمر .. يقودنا إلى المطالبة بتوصيف عادل يحدد رسالة هذا المنبر، ويؤطِّر وظيفته في الأُمّة، وهل منبر الجمعة؛ ملك للخطيب..؟ لا ينازعه فيه أحد؛ وفي حالة كهذه؛ يحق له قول ما يشاء، فليس من حق أحد عندئذ؛ منازعته هذا الحق..؟ أو هو ملك للأُمّة كافة..؟ بولاية ولي أمرها، الحافظ لأمنها، والموجِّه لسياساتها، والمحقِّق لمصالحها، وفي هذه الحالة؛ فمن حقنا كمواطنين، أن نطالب بخطبة جمعة تحترم عقولنا، وتراعي سياساتنا ومصالحنا العليا والدنيا، فتتوقّف عن الحديّة، وتلتزم الحيادية، وأن لا تمارس على أسماعنا؛ أسلوب الإسقاطات الشخصية، وأن تقدر أنّ الذين يسمعون صوتها؛ ليسوا كلهم سواء، لا في آرائهم ولا حتى في مذاهبهم، ولكنهم جميعاً مسلمون من هذا البلد، وممن يعيش فيه من بلدان عربية وإسلامية شتى. فلا الفتوى محلها منبر الجمعة، ولا الخوض في المسائل الخلافية والمذهبية، وتصفية الحسابات الشخصية مكانها المسجد، ولا السياسة هي من مهام خطيب الجمعة؛ لأنّ هناك وزارة للخارجية؛ منوط بها وحدها؛ وظيفة العلاقات الدولية؛ وما يصح أو لا يصح في شأنها. * إنّ خطابنا المنبري الجمعي؛ ما زال يخلط كثيراً بين أهل الكتاب من اليهود والنصارى؛ وبين المعتدين منهم، فلا يفرّق بين المسالم والمعادي، ولا يراعي مشاعر ملايين الرعايا العرب من هاتين الديانتين .. وهذه كارثة في حد ذاتها. * إنّ هذه القضية التي نتكلم عليها؛ هي همُّ وطن بأكبره؛ فإذا قال مواطن على ترابه كلمة حق فيها؛ وجب علينا تحيته على أقل تقدير؛ وليس تقريعه وتأثيمه واتهامه بالعمالة، كما نواجهه اليوم من بعض المتشدِّدين؛ سواء من فوق المنابر؛ أو في المجالس الحوارية..! ومن هؤلاء من لا يجرؤ على انتقاد (ابن لادن)؛ زعيم الإرهاب في هذا العالم؛ حتى ولو بكلمة واحدة؛ هذا إن لم ينعته ب(شيخنا ابن لادن)..! ولا يرى في (الزرقاوي)؛ زعيم القتلة في العراق؛ إلاّ أميراً للمجاهدين على قياسه وحده؛ وقائد الغر الميامين؛ إلى جنات الخلد؛ وحور العين..! * هذا مواطن قال كلمة حق - لعلّها وصلت إلى من يعنيه الأمر في الشئون الإسلامية .. إنّه الدكتور (إبراهيم بن عبدالله المطلق)، من جامعة الإمام، فقد كتب عن خطباء الجمعة وما يخطبون؛ وتمنى عليهم (نبذ الإرهاب) من فوق المنابر .. ونحن نقول معه هنا: أيُّها الإخوة الأعزاء؛ أيُّها المواطنون من الخطباء؛ انبذوا الإرهاب من المنابر والمحراب؛ قبل أن ينبذنا الإرهاب، فيرمينا وإيّاكم من المزراب..! * كتب الدكتور المطلق في صحيفة الوطن يوم الخميس 29 سبتمبر الفارط، وفي صحيفة الرياض يوم الأحد الثاني من أكتوبر الحالي؛ ملخصاً رؤيته التي هي رؤيتي كذلك؛ في نقاط عشر .. قال: 1- منذ ربع قرن فأكثر؛ والمتأمّل لموضوع خطبة الجمعة لدى البعض؛ إن لم يكن الكثير من خطبائنا؛ يجد أنّ موضوع خطبة الجمعة؛ مباين لموضوع خطب النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، فخطب النبي صلى الله عليه وسلم، اتسمت بالقصر مع التمام في المعالجة، ذلك أنّه أوتي جوامع الكلم، ولقد كان من الأجدى التأسِّي به صلى الله عليه وسلم، سيما وقد أمر الله بذلك بقوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}. 2- اتسمت خطب النبي صلى الله عليه وسلم؛ بتعليم الناس أحكام دينهم، وشرح ما يجهلونه مما يجب عليهم معرفته من تعاليم هذه الشريعة السمحة، ليعبدوا الله على هدى وبصيرة، كما اتسمت خطبه بالتذكير بالجنة والنار، والحث على طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، واجتناب معصية الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. كما اتسمت بالإكثار من شرح آي الكتاب المبين، وتكرار سورة (ق) وشرحها؛ على لسانه صلى الله عليه وسلم في خطبة الجمعة؛ شاهد صدق وحق، بينما اتسمت بعض الخطب المعاصرة؛ بالحديث عن سياسات بعض الدول الكبرى، وما يمر به العالم من نزاعات واضطرابات سياسية وغيرها. 3- اتسمت بعض الخطب المعاصرة؛ بالنقد العلني لسياسات العالم والأمراء والحكام، فيا ترى هل هذا الأسلوب مما تضمّنته خطب النبي صلى الله عليه وسلم..؟ أم إنّه من الأمور المحدثة؛ بإملاء ومباركة بعض الفرق والأحزاب الثورية المعاصرة..؟! 4- اتسمت بعض الخطب المعاصرة؛ بترك الدعاء الصريح لولي أمر المسلمين عمداً، ولو قال أحدهم هذا الدعاء لم يؤثر ضمن خطب النبي صلى الله عليه وسلم؛ التي دعوت إلى التأسِّي بها؛ فالجواب: أنّ عدداً من أئمة السلف والخلف؛ أكدوا على مشروعية مثل هذا الدعاء، والعلماء هم ورثة النبي صلى الله عليه وسلم، وفتاواهم توقيع عن الله ورسوله. 5- اتسمت بعض الخطب المعاصرة؛ بالتشدُّق والمبالغة في بعض الأدعية، سيما الدعاء على العدوِّ المعتدي، إذ إنّ البعض يرسم لله تعالى خطة إهلاك العدوِّ، وكأنّه مستشار في الملكوت الأعلى..! وهذا لا شك من الاعتداء في الدعاء، كما بيّن ذلك بعض علمائنا الكبار، والله سبحانه أعلم وأحكم متى وكيف يهلك هذا العدو وينتقم منه. 6- اتسمت بعض الخطب المعاصرة؛ بتعميم الدعاء على بعض متبعي الديانات الأخرى؛ سيما أهل الكتاب ممن عاصروا النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولم يثبت عنه أنّه دعا عليهم في خطبه، ولا في غيرها، بل أذن لبعضهم بدخول مسجده واللعب فيه بحرابهم، فما العلّة في اعتقاد البعض وجوب الدعاء على جميع أهل الملل والنحل..؟!! وهل ديننا دين عنف ورهبانية وتسلُّط..؟ أم دين رحمة وهداية؟. 7- تتضمّن أدعية بعض الخطب المعاصرة جملة: (اللهم انصر إخواننا المجاهدين في كلِّ مكان)..! سيما وأنّ الخوارج الذين حملوا علينا السلاح؛ يعتقدون بأنّهم مجاهدون في سبيل الله، فهل هذا الدعاء يشملهم أيضاً؟. 8- مرت هذه البلاد؛ بفتنة التكفير والخروج، فهل أدت خطبة الجمعة دورها في مواجهة هذه الفتنة، وبيان أصول أهل السنّة والجماعة في الفتن، ومن ذلك التأكيد على لزوم جماعة المسلمين وإمامهم، والتحذير من فكر الخوارج. الصواب أنّ تقصير خطبة الجمعة، حيال هذا الموضوع واضح وسلبي، وإذا كان لدينا خمسون ألف جامع؛ فكم نتصوَّر نسبة الجوامع التي أدت دوراً إيجابياً في مواجهة هذه الفتنة..؟ لا أعتقد أنّ النسبة تتجاوز 10%، إذا كنا متفائلين جداً، فأين ال90%؟. 9- رغم هذا التقصير في خطبة الجمعة، والتقصير المفضوح .. إلاّ أنّنا لم نسمع ونر قراراً حازماً تجاه أيٍّ من الخطباء الذين كان دورهم سلبياً في التصدي للإرهاب، وإن صدرت قرارات فصل للبعض؛ فهي لا تشكِّل إلاّ نسبة ضئيلة جداً، وإن صدرت قرارات إيقاف، فالموقوف يبقى سنوات بعد إيقافه؛ يستلم مكافأة الإمامة والخطابة شهرياً، فماذا يعني ذلك؟. 10- السؤال الذي يفرض نفسه هنا: هل خطبة الجمعة أيضاً نالها نصيبها من فكر وافد غير كريم عرف ب(فكر الإخوان المسلمين)؟. [email protected]