- يأتي هذا اليوم، فيوافق (الحادي عشر من سبتمبر).. وهو تاريخ سيئ الذكر إلى أبعد حد، ويكفينا من بعض سوئه لا كله، ما آل إليه الحال في بلداننا العربية والإسلامية، وما تعرض له العرب والمسلمون الآمنون في مهاجرهم الجديدة في أوروبا وأمريكا، بسبب حماقة ارتكبها حُمقاء، بعد أن أفتى لها فقهاء، وخطط ودبر لها سفهاء، وهم يظنون أنهم هم المسلمون وحدهم، وهم في الجنة وغيرهم في النار. - على أن هذا السوء الذي لحق بنا في مستهل الألفية الثالثة، هو سوء واحد، من أسواء كثيرة في حياتنا، نصنعها بأنفسنا لأنفسنا، ثم نعيشها مرات ومرات.. فنتجرع مراراتها، وقد ننساها أو نتناساها، ليس لفرح بديل نحسن صنعه، ولكن لأسواء جديدة تحل محل سابقتها. - منذ العام 1990م، وهناك من يعمل جاهداً لخرق السفينة..! هذه حقيقة، حتى لو أراد البعض اليوم طمسها أو تغييبها. فقد ظهرت في تلك السنة المشؤومة، والجيوش الغازية الجرارة على تخومنا، مذكرة سموها (مذكرة النصيحة)، وهي كانت (فضيحة) لا نصيحة، فقد بان عوارها فيما بعد، ومن أبرز شهود هذا العوار اليوم، ما نشهده من أمر نزيلي (بيت الأدب) البريطاني في لندن، (المسعري والفقيه)، وآخرين نعرفهم هنا وهناك. - وبعد الحادي عشر من سبتمبر، وافتضاح أمر الخوارج في داخل البلاد وخارجها، واتضاح أهدافهم القذرة، في النيل من سيادة الدولة وأمن المجتمع، أتحفنا بعضهم، بظاهرة البيانات، وما أدراك ما البيانات، فكنا وكان البيان للذين سموا أنفسهم علماء ومشايخ من السعودية، وهم إنما يخالفون السياسة العليا للدولة، ويحرجون المجتمع السعودي كله، مع دولة عربية جارة، بدعوتهم أو تشجيعهم لما سموه الجهاد في العراق، وهذا البيان الفلتة، شكل أرضية إفتائية خطرة، ظلت وما زالت تجند الشباب، وتغرر بهم، فلم نسمع أو نقرأ لواحد من هؤلاء البيانيين، عودة عما في هذا البيان، أو توبة مما فيه، مع أنه يخالف رأي العلماء المكلفين الإفتاء، الذين يمثلون الدولة السعودية وشعبها..!! - ألا يمثل مثل هذا البيان، سوءاً جديداً فوق سوء مذكرة النصيحة، والعدوان على مدينة أمريكية..؟! - بيان أو مذكرة النصيحة سيئ الذكر، كان إعلاناً صريحاً لجهاد موجه للداخل في حينه، قبل الجهاد العملي للخوارج في (جزيرة العرب)..! والجروح التي أحدثها ما زالت متقيحة، وانظروا إلى (الفقيه والمسعري) كمثال، واقرءوا خطاب (حركية) الصحوة، ابتداءً من الشريط وليس انتهاء بالكتيبات، وكلها توزع بالمجان لأنها مدعومة..!! - البيان الذي أشير إليه يفهم على أنه جهاد موجه للخارج، بدليل الدعوة لحرب المحتل في العراق، ومشروعية الجهاد ضده.. هكذا.. لكنه، وهنا الخطورة، يمهد لمشروع جهادي داخلي، إذا ما اقتنع به المعنيون من شباب هذه البلاد، فوجدوا في أرض العراق اليوم، تلك التدريبات العسكرية الميدانية، والدروس الفكرية المنحرفة، فيعودون إلى بلادهم غداً، بجاهزية أخطر من تلك التي عاد بها الأفغان العرب. - ظاهرة البيانات التي تدعم فكر الكراهية والموت، وتعزز ثقافة التشدد والتطرف، وتوزع التهم، وتشكك في النوايا والمعتقدات، لم تتوقف، رغم الذي مر بنا من إرهاب وقتل وتدمير، على أيدي من هم في الأساس، من المحسوبين على مدرسة فكرية طالبانية بحتة، لا ترى في هذا الكون الفسيح الواسع إلا نفسها، وما تعتنقه من أفكار لا تمت للعصر بصلة. - بعدما دار من جدال حول اقتراح قيادة المرأة للسيارة، وهو جدال فكري محمود بين جناحين (مع وضد)، وكان يمكن أن يمثل ظاهرة حوارية حضارية، لولا تدخل ظاهرة البيانات والبيانيين مرة أخرى..!! ظهر بيان آخر جديد، قالوا فيه إنهم أساتذة جامعات، وموظفون في قطاعات عامة وخاصة، ولم يكتفوا بهذا، بل صنفوا أنفسهم بالعلماء وطلبة العلم، ثم (أصحاب فضيلة)..! فما بقي إلا أن يقولوا إنهم الأوصياء على عشرين مليون سعودي..!! ولو قالوا مثلا، إنهم مواطنون سعوديون من عشرين مليونا، يطرحون وجهة نظر حضارية خاصة بهم، دون تقرير بأن: (قيادة المرأة للسيارة خطر عليها وعلى المجتمع، وفيها 15 مفسدة عظيمة وعاقبة وخيمة)..!! لو فعلوا ذلك.. آه.. ليتهم فعلوا.. ولكن.. ولكنهم تمادوا في بيان غريب عجيب، فيه حكم على (غير) موقعيه بالنوايا، وفيه اتهام لنساء المملكة ورجالها بالفساد والإفساد..! وفيه يقولون بأن غيرهم من أهل هذه البلاد (مبطلون - مروجون للباطل - ينادون بتغريب المرأة - أصحاب أهداف خبيثة - سفهاء - مفسدون - منافقون - ملحدون).. هكذا.. - سبحان الله..! فلم يبق إذن من سكان المملكة خارج دائرة (الخبث والسفه والإفساد والنفاق والإلحاد والإبطال)، إلا هؤلاء الموقعون على البيان..! وهذه تهم خطيرة غاية في السوء، فكأن هؤلاء البيانيين، تسللوا خلسة إلى صدور أبناء وبنات هذه البلاد، فرأوا من غيبها، ما لا يراه إلا علام الغيوب..! - وكأن البيانات تستولد بيانات، وكأن البيانيين يلدون بيانيين وبيانيات.. فسرعان ما تلا البيان السابق، بيان على غير العادة، فهو ليس ذكورياً هذه المرة..! وقيل إنه يحمل أسماء مئات النساء في هذه البلاد، ينصبن أنفسهن، أو نصبهن أزواج وأقارب من قبيلة البيانيين الذين سبقوا، وصيات على عشرة ملايين امرأة سعودية، فيقررن نيابة عنهن، أن لا رغبة لهن في القيادة، وأنها مفسدة، وأن ليس للمرأة في هذه البلاد، إلا بيتها..! مع أنهن يوصفن بأنهن من الطبيبات، وعضوات تدريس في الجامعات، وموظفات عموميات، وربات بيوت..! وهذا هو مصدر العجب، فكيف يستقيم الأمر، وهن يخرجن للعمل في أكثر من مؤسسة، ومع سائقين أجانب غير محارم..؟ وكان الأولى بهن، البقاء في بيوتهن قبل غيرهن، وكان الأجدر بمتعلمات وأكاديميات عاملات، أن لا يلبسن أثواب الرجال، الذين دفعوهن وزجوا بهن في واجهة الرأي المخالف، بلغة تقريرية إقصائية، عرفناها في طريقة من سبقهن في دبلجة هذه البيانات. - إن المنطق يقول بأن الأقلية لا تمثل رأي الأغلبية، حتى لو ظلت هذه الأقلية صامتة، فصاحب الحق، هو من يملك الثقة في امتلاكه، حتى لو ظل صامتاً وعلا صوت الآخر، ورأي صدحت به مجموعة محدودة من النساء فيما يبلغ عدد سكان المملكة من النساء قرابة العشرة ملايين امرأة، لو صح هذا.. فهو يمثل في أقل تقدير، حالة شاذة تؤكد القاعدة، والقاعدة بكل تأكيد مع القيادة، لأنها حق طبيعي سوف يتحقق لمريديه ذات يوم، فهو لا يتقرر بجدال من أي كان، لا من معارضين، ولا من مؤيدين، ف (الكبك، والتركيبة، والبرقيات، واللاسلكي، والمذياع، والتلفزيون، والسيارة، والدش) جميعها وغيرها كثير، قوبلت ذات يوم، بمثل هذا الرفض الذي رأينا من أقلية صارخة، في مواجهة أكثرية صامتة، وقد مثلت في حينها، ضرباً من ضروب الحرام أو المنكر، ثم أصبحت بعد ذلك، في صلب الحياة العامة لكافة الأسر المسلمة في هذه البلاد، إن لم تكن من الضرورات التي لا غنى عن بعضها. [email protected]