يقول الله سبحانه {ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً}. ويقول سبحانه {أحسب الناس أن يُتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ٭ ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين}. لقد شاعت مؤخراً بعض الدعوات الخبيثة التي تهدف إلى فرقة المسلمين ولبس الحق بالباطل عليهم وخلق إشكال فكري لهم في ثوابت دينهم والعياذ بالله..! وساقت هذه الدعوات المغرضة في ركبها بعض اخواننا بين مؤيد ومعارض لفكرها ومنهجها وأساليبها، فهناك من النقاد لهم من بعض جهلاء المسلمين وضعاف النفوس فتبعهم على غير هدى، والكثير ولله الحمد من أصحاب الوعي والبصيرة النيرة الذين منَ الله عليهم بحفظ دينهم عليهم فوقفوا أمام فتنتهم المضلة وتصدوا لفكرهم المنحرف. وأصحاب هذه الدعوات وبكل أسف قومٌ اتخذوا من بعض أخطائنا البشرية من جهة ورغبتنا في تطوير أنفسنا من جهة أخرى سبيلاً لنقدنا ونعتنا بأقسى الأوصاف، وظلموا أنفسهم فلقبوا أنفسهم الإصلاحيين وظلمونا فلقبونا بالمفسدين، وقد يكون لهم الحق في ذلك لأننا أفسدنا عليهم مخططاتهم التي تهدف إلى هدم مجتمعنا المسلم. ولأن ديني يحتم عليَّ نصرة أخي ظالماً برده عن ظلمه ونصحه، ومظلوماً بالسعي لارجاع مظلمته ومساعدته، لذا وانطلاقاً من ذلك رأيت من واجبي بذل النصيحة لأخوتنا في الدين ممن غالوا في ظلمهم لأنفسهم ولأمتهم ولدينهم دون ما طائل إلا خدمتهم - بإدراكهم أو بدون أن يشعروا - لأعداء الإسلام، الذين يتربصون بهم وبنا الدوائر. ولأن أعداء الإسلام كلوا في حربهم ضد دين الله بجيوشهم وعدهم وعتادهم، لذا اتجهوا لحرب الإسلام بأبنائه بكل أسف، فضموهم إليهم وأمنوهم وهيئوا لهم السكن والملبس والمأكل والمركب والمال وجميع سبل الترفيه والحياة المنغمة وصنعوا لهم فوق ذلك منابر لسانها عربي تتكلم باسم الإسلام وألبسوهم ثياب الفضيلة ودعوهم ودعوا أنفسهم المخلصين المصلحين! حتى شاء الله أن يفضحهم فجعلهم يلقبون أنفسهم خلفاء المسلمين وأمراء المؤمنين..! فانكشف زيف دعواهم للإصلاح إلى أطماع سياسية صرفة بعيدة عن الدين والأهداف النبيلة، وحين انكشفت أهدافهم اتجهوا إلى أساليب المنافقين في الكذب والافتراء والبهتان والغيبة وقذف المسلمين والمسلمات ولا حول ولا قوة إلا بالله. وما دعواهم هذه إلا بغرض خلق الفتنة وتفريق وحدة المسلمين لا جمعها امتثالاً للصهيونية وأعوانها التي تحلم على الاستيلاء على المدينةالمنورة لبناء إسرائيل الكبرى، ألا يعلم هؤلاء أن الله سبحانه حذر من الفتنة فقال سبحانه {والفتنة أشدُّ من القتل}، ويقول سبحانه أيضاً {والفتنة أكبر من القتل}. وما اختيارهم لهذه الظروف التي تمر بنا، في زمن كثرت فيه القلاقل والفتن والشيع والمذاهب والتحالفات السياسية والعسكرية ضد الإسلام والمسلمين إلا دليلٌ على نواياهم التي لم تعد خافية على أحد. ولقد توعدهم الله سبحانه بقوله في محكم تنزيله فقال سبحانه تعالى {إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذابُ جهنم ولهم عذاب الحريق}. إن المتبصر في واقع الحال يدرك تماماً وبشكل جلي من يقف وراء أصحاب هذه المنابر والمعلومات الملفقة التي ترد إليهم والتي لا يمكن أن تكون إلا برسم استخباراتي مدروس تحالفت فيه الدول الغربية وأذنابهم من المعدودين على الإسلام لضرب العمق الإسلامي في دولة أعزها الله سبحانه بأن جمع فيها الحرمين الشريفين وأعزها الله بولاة أمر يحكمون بشرع الله سبحانه ويرفعون لنا راية التوحيد على بيرقنا، وتفردوا بذلك على دول العالم العربي والإسلامي. لذا كان لابد من حيلة يغزون به مجتمعنا البريء المحافظ المسلم المتماسك فاختاروا جماعة خبروها جيداً تنتمي لحزب يسمى حزب التحرير، وهذا حزب معروف يبدأ بالمناداة بإنشاء خلافة إسلامية ولكن بخطة ومفهوم غربي لغرض السيطرة على مقدرات بلاد المسلمين وثرواتهم وزعزعة أمنهم وثقتهم بولاتهم فيبلبلون أفكار المسلمين ويشككونهم ببعضهم ويتهمونهم بالخيانة والعمالة للغرب ويكفرونهم ويلحدونهم، وغايتهم القصوى هي الوصول إلى الحكم. ولقد وجدت الصهيونية ضالتهم في جماعة لندن، ففقيههم وأعوانه ينتمون إلى الحزب المذكور. وسوف أعرض بشكل مختصر عنه تبياناً لحقيقته وحقيقتهم. فهذا الحزب أسسه تقي الدين النبهاني عام 1952م ثم خلفه عبدالقديم زلوم وهما من فلسطين، بعد ذلك تأسس فرع للحزب في لبنان عام 1378ه بطلب من طلال البساط، مصطفى صالح، مصطفى النحاس، ومنصور حيدر، وتولى فرعه في الأردن أحمد الداعور وفي بغداد عبدالعزيز البدري وعبدالرحمن المالكي في دمشق. وقد صدرت اجتهادات كثيرة شرعية لهذا الحزب ولكنها كانت محل انتقاد جمهور علماء المسلمين. ويفلسف الحزب طريقة وصوله إلى تحقيق أهدافه بما يراه من أن أي مجتمع إنما يعيش الناس فيه داخل جدارين سميكين هما جدار العقيدة والفكر وجدار الأنظمة التي تعالج علاقات الناس وطريقتهم في العيش. فإذا أريد قلب مجتمع ما عن طريق أهله يجب ضرب جداره الخارجي وهي الأفكار حتى يؤدي ذلك إلى صراع فكري يتبعه انقلاب فكري ثم انقلاب سياسي فتسلم زمام الحكم. وقاعدتهم في ذلك إصلاح المجتمع أولاً حتى يصلح الفرد. والحزب يغفل الأمور الروحية ويراها بمنظار فكري، فلا توجد أشواق روحية ونزعات جسدية، ولكن غرائز يجب إشباعها بطرق من عندالله. والحزب يحرم على أعضائه الاعتقاد بعذاب القبر وبظهور المسيح الدجال، ومن يعتقد هذا هو في نظرهم يعتبر آثماً. وهم يرون عدم التعرض للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأن ذلك يعيق العمل المرحلي الآن، والعمل بهذا ليس الآن ولكن عندما تقوم الدولة الإسلامية. ومن المآخذ التي وجدها عليهم طلبة العلم والدارسون ما يلي: 1) القضايا الدعوية: هذا الحزب الذي ينتمي له الفقيه والمسعري وزملائهم يركز اهتمام أعضائه بالنواحي الفكرية والسياسية وتهميش النواحي التربوية والروحية. وهم يركزون على الجدل وليس النقاش (الجدل) مع كافة الاتجاهات الإسلامية الأخرى. كذلك فهم يهتمون بالعقل في الجوانب العقدية مثلهم في ذلك كمثل (المعتزلة). وهم يعتمدون على النصرة من أطراف خارجية للوصول إلى الحكم. وهم يقتصرون على بعض غايات الإسلام دون بعضها الآخر فيأخذون منه ما يريدون ويهملون مالا يوافق هواهم. ولأنهم يركزون وبشدة على الوصول إلى الحكم وهو منتهى غاياتهم فهم يعادون من أجل ذلك جميع الأنظمة التي يستهدفونها. 2) أما من النواحي الفقهية: فحزبهم بتبني بعض الأحكام ويلزم أتباعه على العمل بها ونشرها ومن ذلك: إباحتهم تقبيل المرأة الأجنبية بشهوة وبغير شهوة، وهم يبيحون النظر للصور العارية، ولأنهم يستمدون قوتهم من الدعم الأجنبي فهم يجيزون عضوية غير المسلم والمرأة في مجلس الشورى، ولأنهم يكفرون المسلمين ويتهمونهم بالكفر والإلحاد فضلاً عن الدعم الأجنبي الذي يتلقونه فهم يجيزون القتال تحت راية شخص عميل تنفيذاً لخطة الداعمين لهم وعلى هذا فهم لا يرون بأساً في أن يكون القائد في الدولة المسلمة كافراً. كذلك فهم يسقطون الصلاة عن رجل الفضاء وسقوطها هي والصوم عن سكان القطبين. كذلك فهم يحكمون على من تزوج بإحدى محارمه بالسجن فقط عشر سنوات. كذلك فهم يحرمون الركوب في وسائل المواصلات التي يملكها مسلمون ويجيزونها للشركات الأجنبية، وهم في ذلك مسيرون برضاهم خدمة لمن يدعمونهم. ويركز الحزب نشاطه في الأردن وسوريا ولبنان مع علاقة خاصة بأوروبا عموماً وبخاصة بريطانيا والنمسا وألمانيا. (الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - مجلد 1 - الطبعة الثالثة - 1418ه). وبعد استعراضي المختصر لماهية حزبهم وأهدافه وطرقه وأفكاره، فلا عجب أن يتجهوا إلى ولاة الأمر في بلادنا وإلى علمائنا يحرضون عليهم السفهاء ويبهتونهم بما ليس فيهم من أفعال وأقوال لم نرها فيهم..! وهم على علم أنهم لن يستطيعوا بإذن الله أن ينالوا من أمننا وأمن بلادنا مهما بلغ سلاحهم، وهم في دعواهم الباطلة يسوقون بضاعتهم النخسة وهي «الديمقراطية»، ولو تسمع لهم لما وجدت للديمقراطية مكاناً في مواقعهم في الإنترنت أو القناة الفضائية الزرقاء التي لا يوجد بها إلا أصوات جماعات لا يتعدون بضع أصابع من الدجالين والدجالات وبعض المغرر بهم الذين ينسبون أنفسهم من عائلات أو قبائل معروفة، وإني والله أحسب تلك العائلات والقبائل - والله حسيبهم - بريئون من هذه التفاهات. إننا نشعر بغصة حين نرى بعض شبابنا ممن غرتهم الحياة الدنيا ودعاة الباطل فصدحوا بدعواتهم تحت ظلال الصليب، وبمباركة ودعم من الصليبين والصهيونية في تلك البلاد، فضلوا وأضلوا، وفي حديث عن رسول الله عليه أتم الصلاة والتسليم قال: «أنا فرطكم على الحوض ليرفعن إليَّ رجالاً منكم حتى إذا أهويت لأناولهم اختلجوا دوني فأقول أي رب أصحابي يقول لا تدري ما أحدثوا بعدك»، رواه البخاري. فهم يوالون الكفار ولاية متبادلة المصالح ولاية تذهب بهم إلى تكفير المسلمين واتهام الإسلامية بالإلحاد وبث سمومهم الفكرية بين أبناء المجتمع المسلم وذلك بتصوير الواقع لهم بأنه واقع أسود ولا صلاح فيه فلذلك ينبغي تغييره وذلك بتغيير أنظمته وفرض أنظمتهم، وهم يجدون لهم جماعات جاهلة بدينها قليلة التبصر بدعواهم وغاياتهم البعيدة فيستمعون لهم ويعتنقون مذهبهم لشعورهم بالنقص الذي يخلقه هؤلاء الزمرة من واقعهم فيبثون بهم بأماني غير واقعية لتغير شامل يلبي جميع رغباتهم وغرائزهم فينقاد لهم الجهلاء وضعاف النفوس فيبجلونهم ويبجلون أنفسهم بهم ولا حول ولا قوة إلا بالله، يقول سبحانه {ألم تر إلى الذين يُزكُّون أنفسهم بل الله يُزكي من يشاء ولا يُظلمون فتيلاً ٭ انظر كيف يفترون على الله الكذب وكفى به إثماً مبيناً}، وتكفيرهم لاخوانهم المسلمين يأتي من إيمانهم مبن يدعمونهم من الكفار يقول الله عز وجل {ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلاً ٭ أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيراً ٭ أم لهم نصيبٌ من الملك فإذاً لا يُؤتون الناس نقيراً}، يقول ابن كثير: أي من بخلهم لا يأتون الناس مقدار النقطة في النواة. ولكن الله سبحانه قد برأنا من هؤلاء الفئة فقال عز وجل {ويحلفون بالله إنهم لمنكم وما هم منكم ولكنهم قومٌ يفرقون}، أنسي أم تناسى دعاة الإصلاح هؤلاء - كما يسمون أنفسهم - قول الله تعالى في أشياعهم {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير}. ويقول سبحانه {بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون}. أيريدون أن يقنعونا أنهم يعملون في بلاد الصليبيين ضد الصليبيين، وأنهم يعملون لأجل الإسلام؟! أيوجد في التاريخ دولة صليبية قدمت لأبناء الإسلام أو للإسلام أي منفعة؟! بالتأكيد لا فلماذا تضم أمثال جماعة لندن وتزودهم بالمال وتعد لهم الخطط ضد أبناء دينهم لو لم يكونوا مرتبطين معهم بأهداف خفية حقيرة! إننا نرفض كل مفهوم غربي يخالف ديننا ويشق عصى الطاعة فينا لولي أمرنا ويضعفنا ويشتت شملنا. ولن نقبل أن يفرض علينا ما سموه مبدأ حرية الرأي، ما دام أنه بوجه وبمنهج غربي. فهذه هي بداية السقوط حين نضطر أن نسمع من ليس صاحب رأي نزولاً عند هذا المبدأ، حتى يوصلنا برأيه الأحمق إلى شتات الرأي والضعف ومحاكاة الغرب وشيئاً فشيئاً تمحي هويتنا ونزداد تدهوراً فتتحول الحرية إلى تحرر من ديننا الذي هو عصمة أمرنا ثم عاداتنا ومعاييرنا الاجتماعية وقيمنا السامية، وكل ذلك بدعاوى الإصلاح، وقد وصف الله تعالى هؤلاء الناس في كتابه العزيز فقال {ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين ٭ يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون ٭ في قلوبهم مرضٌ فزادهم الله مرضاً ولهم عذابٌ أليم بما كانوا يكذبون ٭ وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ٭ ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون}. وشرعوا في مواقعهم الهدامة وقناتهم المضلة في سب وشتم ولاة الأمر وغيرهم وكل مسلم خالفهم، فيبهتون تارة وتارة يغتابون ويقاسمون بعضهم على النصر..! ممن ينتصرون!؟ لقد توعد الله من يؤذي المؤمنين والمؤمنات بظلم متعمد وبهتاناً ليس فيهم أو بغية بظن فاسد، فقال سبحانه {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً}. فلا ينبغي أن يتعامل المسلم مع أخيه المسلم على أساس الظن والشك والريبة أو على أساس ما يتناقله المنافقون والحاقدون من معلومات يهدفون من ورائها إلى زرع الشقاق بين المسلمين، يقول سبحانه {يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه واتقوا الله إن الله توابٌ رحيم}. ويقول سبحانه أيضاً {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسقٌ بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين}، وقال عليه الصلاة والسلام في وصف المسلم بشكل مختصر مفيد «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده»، رواه البخاري ومسلم. فلا والله ما سلم أحد من أذاهم بألسنتهم، ولم يكتفوا بذلك بل حرفوا في بعض الأسماء تحريفاً طال ما يضاف من أسماء الله بما تقتضي العبودية له سبحانه إلى عبودية من صنع لهم هذه المنابر، فوقعوا في شبهة تحريف أسماء الله جل وعلا فأصبحوا ظالمين ابتداءً، فأي دعوى إصلاحية يدعو بها ظالم..!؟ أما تذكر هؤلاء أمر الله سبحانه حين قال {يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قومٌ من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيراً منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون}. ففي الآية الكريمة أمر من الله سبحانه بوجوب اجتناب سخرية المسلم من المسلم والتنابز بالألقاب، فكان فعلهم فسقاً.. فأي دعوى إوحسن الخلق. أما يقرأون القرآن ويتدبرون آياته؟! يقول سبحانه في أمره لموسى وأخيه هارون عليهما السلام {اذهبا إلى فرعون إنه طغى ٭ فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى}، هذا الأمر الإلهي من الله سبحانه لموسى وأخيه حين بعثهما لدعوة فرعون الذي وصفه الله فقال سبحانه عنه {فحشر فنادى ٭ فقال أنا ربكم الأعلى}. فكيف بنا الحال ونحن نتحدث مع أخوة لنا في الإسلام. وكان من هديه عليه الصلاة والسلام في توجيه المخطئ وإرشاد المذنب أنه كان يقول ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا.. وكل ذلك منه صلى الله عليه وسلم محافظة على مشاعر الآخر حتى يكون أكثر قبولاً للنصيحة، وحتى لا يساعد الشيطان على أخيه فتأخذه العزة بالإثم فيرفض النصيحة. إذا كانت هناك بعض الأخطاء، والخطأ وارد، فنحن حين نقر بأخطائنا فهذا إعلان منا بسعينا إلى إصلاحها، فليس من بشر إلا ويخطئ ويصيب ويخطئ ويصيب، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «كل ابن آدم خطأ وخير الخطاءين التوابون» رواه أحمد والترمذي وابن ماجة عن أنس رضي الله عنه. كما أن جميع الأنبياء والرسل عليهم أتم الصلاة والتسليم عصمتهم فقط في جانب الوحي، أما أمور الدنيا فالخطأ وارد بها عندهم فكيف بنا ونحن المجتهدون، ومعالجة الخطأ إن وجد ليس بخلق خطأ آخر أعظم منه. وأي خطاء أكبر من التحريض على الخروج على ولي الأمر، والدعوة إلى تفريق جمع المسلمين. يقول عز وجل {إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون}. إن طاعة ولي الأمر واجبة بأمر إلهي حتى لا تتفرق الآراء فيتفرق المسلمون ويضعفون فيكونوا لقمة سهلة لأعدائهم، يقول سبحانه {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خيرٌ وأحسن تأويلاً}. فقرن بين الإيمان وبين الطاعة له سبحانه وللرسول عليه الصلاة والسلام وأولي الأمر. ويقول عز وجل {وإذا جاءهم أمرٌ من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلاً}. ولقد شدد رسول الهدى عليه الصلاة والسلام الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحيٌ يوحى على عدم الخروج على ولي الأمر إلا أن يأتي بكفر بواح. يقول عبادة بن الصامت رضي الله عنه: «دعانا النبي صلى الله عليه وسلم فبايعناه. فقال: فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثره علينا وألا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان» رواه البخاري ومسلم. وقد كتب أهل العلم في تفسير هذا الحديث، ففي فتح الباري في شرح صحيح البخاري، مجلد 13 الصفحة 8، قال الخطابي معنى قوله بواحاً يريد ظاهراً بادياً من قولهم باح بالشيء يبوح به بوحاً وبواحاً إذا أذاعه وأظهره وأنكر ثابتاً بالدلائل. وقال ابن حجر في الفتح: ومقتضاه أنه لا يجوز الخروج على الحاكم ما دام فعله يحتمل التأويل. ونقل ابن حجر عن النووي أنه قال: ومعنى الحديث لا تنازعوا ولاة الأمور في ولايتهم ولا تعترضوا عليهم إلا أن تروا منهم منكراً محققاً تعلمونه من قواعد الإسلام. وقال غيره: المراد بالإثم المعصية والكفر، فلا يعترضوا على السلطان إلا إذا وقع في الكفر الظاهر. وعند ابن حبان زيادة. وإن أكلوا مالك وضربوا ظهرك (تنوير الحوالك - مجلد 7 - صفحة 296). إنني أشعر والكثير يشعر بأن المقيمين في لندن أخوة لنا ينبغي علينا نصحهم والأخذ بيدهم لإخراجهم من أحضان أعداء الإسلام، فلعل كلمة تخرج من القلب تجد قلباً واعياً بها فيستبصر بحال نفسه فيعود بإذن الله إلى الطريق الصحيح ويرجع إلى ربه وإلى دينه واخوانه، فوطنه وأمته بحاجة إلى يده لتبني وليس لتهدم. فلنتعاون على منافعنا وليس على مخاسرنا، والله يأمرنا سبحانه فيقول {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب}. أتكون خدمة الإسلام بالعمل تحت راية الصليبيين أو تحت راية التوحيد، والله إننا نخاف عليكم يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار، فما نعمل من عمل حتى يكتب إما لنا أو علينا، يقول سبحانه {ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضراً ولا يظلم ربك أحداً}. فإن كانت نيتهم النصيحة فللنصيحة طرق ينبغي عليهم طرقها، وأي نصيحة في العبث الذي يقومون به. والنصيحة الواجبة هي التي عبر عنها الشافعي بقوله: تعمدني بنصحك بانفرادي وجنبني النصيحة في الجماعة فإن النصح بين الناس نوعٌ من التوبيخ لا أرضى استماعه فما هذه والله بنصيحة وما هذه دعوة لإصلاح، فالواجب أن يتقوا الله سبحانه ولا يظلموا أنفسهم بما زين الشيطان لهم، إننا اخوانهم المشفقون عليهم من دعواهم ومن ارتمائهم في أحضان الصهيونية وعملائها، ولا نود إلا الخير لهم ولنا ولأمتنا الإسلامية، وأنا أقف مذكراً لنفسي أولاً ثم لهم من عذاب الله. يقول سبحانه {ومن أظلم ممن ذُكُّر بآيات ربه فأعرض عنها ونسي ما قدمت يداه إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقراً وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذاً أبداً}. أيضمن الواحد منهم لو عجل الله عليه عقوبته فأتته مصيبة بما قدمت يداه، فيكون حديث الناس وعبرة لهم؟ فأين حجته في خروجه وبغيه تحت ذريعة الإصلاح والإصلاح بعيد عنهم، يقول الله تعالى {فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم ثم جاؤوك يحلفون بالله إن أردنا إلا إحساناً وتوفيقاً ٭ أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم فأعرض عنهم وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولاً بليغاً}. فلا ينبغي المكابرة على الحق، والتلاعب في الألفاظ وتحريف الكلم عن موضعه، ولبس الحق بالباطل على قليلي التدبر فيبوء بذنبهم في إضلاله لهم، ولقد توعد الله هؤلاء في محكم تنزيله فقال سبحانه عز من قائل {ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام ٭ وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد ٭ وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد}. أسأل الله لنا ولهم الهداية وأن يحسن اللهم خواتيم أعمالنا وأن يتوب علينا إنه غفورٌ رحيم، والتوبة التوبة قبل فوات الأوان، يقول الله عز وجل {فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفورٌ رحيم}.