* انتهى العرب مؤخراً، من محفل سياسي جديد، أقاموه في عاصمة عتيدة، من عواصمهم المجيدة.. فما هو الشيء اللافت للأنظار، في تصريحاتهم وبياناتهم، التي عبرت الآفاق، معلنة عن نتيجة أو نهاية، أو ختام، قمة عربية في عاصمة عربية..؟!! * في حقيقة الأمر.. لم أكن معنياً بجدول الأعمال المعلن، قبل أو بعد جلسة وزراء الخارجية في قمة الجزائر، ولا بما دار في جلسات رؤساء الوفود داخل قاعة المؤتمر، ولا بما قال رئيس هذه الدولة أو رئيس هذا الوفد، ولا بالبيان الختامي وما حمل من (وجهات نظر) غير ملزمة لأحد في هذه القمة، مثلما كان الحال في القمم التي سبقت.. فلم أشق نفسي لا بالمتابعات، ولا بالتكهنات أو التوقعات أو التمنيات، التي عادة ما تعقب مثل هذه المؤتمرات. * الأمر الذي عناني هنا، وربما أشقاني قليلاً ثم أضحكني كثيراً، هو حال هذه (الجامعة)، وحال بعض الذين (يَجمعون) من أجلها، وهم لا (يُجمعون) عليها، و(يَجتمعون) في رحابها، ولا (يَجمعون) لها..! ومع كل ما تقدم أو تأخر من حال هؤلاء والجامعة، فإنهم ما زالوا يصرون على أن يسموا الجامعة جامعة. * لم يكن هناك جديد لافت في قمة الجزائر، مما يتطلع إليه مثلي من المتابعين غير المهتمين ب(ساس يسوس)، اللهم إلا بند (طريف ظريف خفيف)، برز في جدول القمة الأخيرة، ففتح النقاش على عجز في ميزانية الجامعة، بلغ (170 مليون دولار)..! وذكر ثم ذكر، أن سيادة الأمين العام، لم يتسلم رواتبه، وأن الدول العربية المجتمعة هنا، لم تدفع حصصها المخصصة إذا استثنينا من ذلك المملكة العربية السعودية..! * الدول العربية مجتمعة، تنادي بإصلاحات للجامعة منذ إنشائها، وهي لا تدفع حصصها، وبعض رؤسائها من الفلاسفة العظام، ظل وما زال، (يتبدّى) في عواصم العرب، بخيمة عربية مزركشة، ونوق حلوبة، وحارسات مخلصات، ليتسنى له (فلسفة) الأوضاع العربية المتردية، وهل لها صلة بنظرية البيضة أولاً أم الدجاجة، وهل هي من الكواكب الدوارة في الفضاء الافريقي أم الأوروبي أم الآسيوي..!! * ولعل الجامعة التي لا تجد ما تصرف منه على رئيسها ومقرها وموظفيها، تقتنع ذات يوم، بنظرية (الخيمة والناقة والحارسة)، فتتبدى هي الأخرى في خيمة عربية، وتصرف على أوراقها وأحبارها، من أوبار وأجبان وحليب النوق..! * هناك حالة عربية ميئوس منها منذ مئات السنين، والجامعة العربية منذ تأسيسها، وهي تجسد هذه الحالة في فضائنا العربي (الأفرو آسيوي)، فلماذا لا نفكر في علاج لها، إذا كنا نقول ولا نفعل، وبعضنا على استعداد تام، لدعم عمليات إرهابية من أي نوع كان، وفي أي بقعة من العالم، ولو كان لاغتيال زعماء عرب من أعضاء الجامعة العربية، ولكنه غير مستعد لتسديد حصته في الجامعة. * هناك شاعر مصري ربما لم يسمع به سوى القليل من المثقفين المعاصرين، عاش في النصف الأول من القرن الهجري الفارط، لكنه عبر عن حالنا هذه في عصره وبعد وفاته إلى أجل غير معلوم.. الشاعر اسمه (محمد توفيق علي)، ولأن القصيدة وصلتني مطبوعة من الصديق (محمد الحسون)، فهو وأنا محتاران بين اثنين من شعراء مصر على هذا الاسم، الذي أورد ترجمة لهما صاحب كتاب (الأعلام) دون ذكر للقصيدة، فالأول هو (محمد توفيق علي العسيري العباسي)، توفي سنة 1355ه، والثاني هو (محمد توفيق علي البكري الصديقي)، توفي سنة 1351ه.. وصديقنا (الحسون) أبو فهد، يرجح الأول، وربما رجح ترجيحي مع ترجيحه، لكنا ننتظر من يبحث معنا عن صحة نسبة هذه القصيدة العصماء. * تمنيت لو كان هذا الشاعر الصادق حياً، فوقف خطيباً على منبر الجامعة في العاصمة الجزائر، لا ليقول إن مكانه ليس هنا، وأنه فيلسوف زمانه، وأنه ليس بسياسي، كما فعل بعض قادة الجامعة..! ولكن ليصدح بهذه القصيدة المعبرة، التي تغني عن كثير من بيانات وتوصيات وقرارات هذه الجامعة. * يقول الشاعر العربي قبل تأسيس الجامعة، وبعد تأسيس الجامعة قطعاً: كفاك يا طير شدواً هجت بي طرباً أما تراني حزين القلب مكتئبا لو كنت مثلي مقصوص الجناح لما شدوت بل كنت تلقى الويل والحربا فطر كما شئت من غصن إلى غصن حراً ودعني أسيراً أشتكي النوبا لم يعدل الدهر قسمينا فطوقني من الحديد وحلى جيده ذهبا هب لي جناحيك مأجوراً أطر بهما يُنفس الجو عني هذه الكربا أعرهما لي أطر في الجو مرتفعا حتى أعانق في أبراجها الشهبا نفسي تتوق إلى العلياء إذ علمت أني أمرؤ ورثت أخلاقه العربا إني لأعجب ممن يستخف بنا أن لا يرى خطة استخفافه عجبا سلوا القرون الخوالي عن مفاخرنا سلوا الرماح سلوا الهندية القضبا سلوا الزمان الذي كانت تتيه بنا فيه المعالي وكنا السادة النجبا وكان فارسنا إن جال جولته في نصرة الحق رد الجحفل اللجبا إن صاح طبقت الآفاق صيحته واهتزت الأرض والأفلاك إن ضربا كتائب تترامى في حميتها إلى الردى لا ترى جبناً ولا هربا من كل لاحق روح راح يطلبها بسيفه غير ملحوق إذا طلبا كالسيف منصلتاً والليث مفترساً والسيل منحدراً والبحر مضطربا فجاءنا زمن صرنا به خدماً لغيرنا وغدت أرواحنا سلبا وأصبح الشرق لا تحلو موارده لأهله ويراها غيرنا ضربا لو أن للشرق روحاً أو له كبداً ترق بث أسى شكواه وانتحبا يا ليت شعري والأغلال في عنقي والنحس يتبع حظي أينما انقلبا أمانعي القوم أني أشتكي زمني كلا ولو مزقوني بينهم إربا يا ويح للدهر يلهو بي ويلعب بي أبعدما شاب يبغي اللهو واللعبا [email protected]