كان خيرالدين بن محمود بن محمد بن علي بن فارس الزِرِكلي «بكسر الزاي والراء» والمولود في 9 ذي الحجة عام 1310ه والمتوفى عام 1396ه من الأعلام الذين أنجبتهم دمشق الفيحاء، والعروبة الزهراء، والحنيفية السمحاء في العصر الحديث، وهو كردي النسب والأكراد في البلاد العربية والإسلامية سنة متمسكون بعقيدتهم.. شاعراً، مؤرخاً، مترجماً، مؤلفاً، أديباً ومحققاً، فهو ابن الوطن العربي الكبير وابن الإسلام الخالد العظيم.. ولد في بيروت من ابوين دمشقيين ونشأ وعاش في وطنه دمشق، حتى فاجأه الاحتلال الفرنسي لبلاده في الرابع والعشرين من يوليو عام 1920م فوقف مع المجاهدين الاحرار صلب العود قوي الوطنية وحكم عليه الاحتلال بالإعدام غيابيا آنذاك.. وكان الزركلي قد قصد الحجاز.. وتنقل بينه وبين الأردن ومصر، ولما هب السوريون لتحرير وطنهم من الاستعمار الفرنسي عام 1925م وكان اسمه في القائمة السوداء وحكم عليه للمرة الثانية بالإعدام عام 1925م لأنه من القوى المحركة للثورة ضد المستعمر الغاشم المحتل. وفي عام 1934م دعاه الملك عبدالعزيز ليكون مستشاراً للمفوضية العربية السعودية بمصر فانتقل إليها.. وعاش في ظلال النيل للقراءة والكتابة والتأليف، وكان أحد المندوبين السعوديين في المفاوضات التمهيدية التي جرت لإنشاء الجامعة العربية، وفي التوقيع على ميثاقها عام 1945م.. وعمل بوزارة الخارجية السعودية، ومثل الحكومة السعودية في العديد من المؤتمرات والاجتماعات والمفاوضات الدولية، واختير عام 1951م وزيراً مفوضاً ومندوباً دائماً للحكومة السعودية لدى جامعة الدول العربية.. وفي عام 1957م عين سفيراً للمملكة في الرباط لدى حكومة المملكة المغربية، وفي عام 1965م عاد إلى الرياض حيث تنقل بينها وبين بيروتودمشق والقاهرة، واخرج كتبه: 1 الإعلام «أربعة عشر جزءاً». 2 شبه الجزيرة العربية في عهد الملك عبدالعزيز «أربعة أجزاء». 3 الوجيز في سيرة الملك عبدالعزيز. 4 عامان في عمان. 5 ما رأيت وما سمعت وغيرها من خوالد مؤلفاته. وبين يدي الآن الطبعة الكاملة من ديوان الزركلي الذي نشرته مؤسسة الرسالة ببيروت عام 1400ه/1980م، وهو يضم كل شعره الذي طالما تغنت به الأمة العربية والإسلامية في كفاحها ضد الاستعمار والاحتلال والعهود السوداء في تاريخ الإسلام والمسلمين في العصر الحديث، واليوم وبمناسبة ذكرى وفاة الشاعر الخالد «خيرالدين الزركلي» اكتب هذه الكلمة، وفاء وتقديراً وإكباراً لشاعرية الرجل وشعره. لا شك ان غربة الشاعر عن وطنه هي إحدى السمات البارزة في شعر الشاعر وفي شاعريته، والحنين إلى الوطن وتمجيد لعروبته ووطنيته، وتكريم مواقفه في النضال والعمل من أجل الحرية والاستقلال.. ذلك كله ظاهرة من الظواهر البارزة في الديوان. وإذا قرأنا قصيدته «نجوى» التي صدر بها الديوان.. عرفنا كيف كان الشاعر يعيش بقلبه وروحه ومشاعره وعواطفه في وطنه في كل لحظة.. وفي هذه القصيدة يقول الشاعر: العين بعد فراقها الوطنا لا ساكنا ألفت ولا سكنا ليت الذين أحبهم علموا وهمو هناك ما لقيت هنا ما كنت احسبني مفارقهم حتى تفارق روحي البدنا يا موطنا عبث الزمان به من ذا الذي اغرى بك الزمنا قد كان لي بك عن سواك غنى لا كان لي بسواك عنك غنى ان الغريب معذب ابدا ان حل لم ينعم وان ظعنا وفي الثورة السورية الكبرى عام 1925م ضد الاحتلال الفرنسي يقول الزركلي عن الاحتلال: ساس بالظلم عتاة أمة فزمجرت وانفجرت حملت ما لم تطقه من أذى فزأرت واستعرت وبدأ مشعلها، خط عليه الأبد إنه الثائر لا يقوى عليه أحد وفي وطنه سوريا يقول الشاعر: سورية نحن لها نحمي حماها أبدا نبني لها صرح الحيا ة فوق هامات العدا وهو مطلع نشيد وطني رائع جميل. ويرثي الشاعر الشهيد رفيق العظم أحد شهداء سورية في معركة ميسلون بقصيدة رائعة يقول في ختامها: أدى رفيق حق أوطانه وعلمه، فأحسن التأدية وفي معركة ميسلون يقول الشاعر قصيدته «الفاجعة» عام 1920م ومطلعها: الله للحدثان كيف تكيد بردى يفيض وقاسيون يمير وفيها يقول: أنا في هواك كما يشاء هواك لي كلف بحبك يا دمشق ودود خدعوك يا أم الحضارة فارتمت تجني عليك فيالق وجنود قرآن احمد ان بكاك فقد رثى لك قبلة الإنجيل والتلمود والشعب ان عرف الحياة فما له عن درك أسباب الحياة محيد ويكتب إلى الأمير عادل ارسلان قصيدة وطنية ثائرة وذلك عام 1927م يقول فيها واصفاً حال وطنه وثورته ضد الاستعمار الاثيم: سورية قد اجمع البادي بها والحاضر وفي سبيل مجدها دم اريق طاهر إن هدموا عمرانها، فكل قلب عامر ولا يقل حبه للمملكة العربية السعودية عن حبه لوطنه العربي الأبي سورية فلقد عاش انتصارات جلالة الملك عبدالعزيز في توحيد مملكته، وشاهد أمجاده ومآثره ومفاخره، لأنه عاش قريباً منه. يقول في حفلة أقيمت بمكةالمكرمة في شعبان من عام 1348ه/يناير 1930م، يحيي العهد الجديد والحكم السعودي المجيد والملك العظيم عبدالعزيز: يا نفس بُلغْتِ قصداً وعاد أمرك جدا دعا الحجاز ونجدا داعي الحياة فجدا وأقبلا والأماني تلوح يمنا وسعدا الخيل في الأمن ترعى والإبل بالشوق تحدى وعندما دخل الملك عبدالعزيز آل سعود مكةالمكرمة كتب قصيدته المشهورة قال فيها: صبر العظيم على العظيم جبار زمزم والحطيم إن القضاء إذا تسلط ضاع فيه حجي الحكيم وفي حفلة اقيمت بمكة ابتهاجاً بنجاة الملك عبدالعزيز آل سعود من ثلاثة متآمرين يمانيين أرادوا اغتياله بجوار الكعبة، صبيحة اليوم الأول من عيد الأضحى المبارك عام 1935م كتب الشاعر قصيدة يقول فيها: ليست خناجر في أيدي الآلي اجترموا تكلم مفاتيح غمدان بها قدموا ضل الجناة سبيل النيل من ملك لولاه ما صين بيت الله والحرم عبدالعزيز الإمام الحق تكلوه عين من الله لا جند ولا حشم وفي القصيدة يقول الشاعر: وقى سعود فتى الفتيان خير أب فردها طعنة نجلاء تخترم عبدالعزيز وقاك الله فتنتهم ولايزال لك فينا البر والعلم عش للعروبة والإسلام معتصماً فانما بك بعد الله يعتصم وظل الشاعر وفياً لوطن الإسلام، ومهد القرآن وفاءه لوطنه الأول. توفي الملك البطل عبدالعزيز آل سعود رحمه الله فيرثيه الشاعر بقصيدته: عبدالعزيز قضى، سلمتَ سعودُ ما في الرجال كمن فقدت فقيد جبل أشم هوى وغيب في الثرى أحد طوى هضباته أخدود دهر من التاريخ في عمر امرئ قصرت حياة الدهر وهو مديد تتناقل الدنيا حديثا بعده تتقادم الأجيال وهو جديد عرش بناه على النضال عماده ودعامة الإيمان والتسديد ما نام عنه مؤسساً ومنظماً ستين حولاً يبني ويشيد ضم القلوب موحداً اشتاتها لله ثم لشعبه التوحيد وتمر الأيام ويتولى الملك فيصل بن عبدالعزيز رحمه الله العرش، فيقول في يوم تتويجه: لفيصل التاج معقوداً به الأمل ويوم فيصل في أيامنا جلل شعب الجزيرة من أقصى تهائمها إلى النجود سعى بالبشر يحتفل تباشر الناس لما قام فيصلها مملكاً وأتت بالبيعة الرسل ولو مشى الصخر من سهل إلى جبل لجاء بالتهنئات السهل والجبل وتمر الأيام وتقع الفاجعة حقاً، وتغتال فيصل بن عبدالعزيز يد آثمة، فيقول الشاعر في رثائه: تلفت الغرب والإسلام اضطرابا ما للبرية هل شدت بزلزال يدعون فيصل والأيام ماضية بفيصل بين أحقاب وأجيال من مثله كان كشافاً لمعضلة من مثله كان حلالا لإشكال نوديت «خالد» فانهض غير متئد تسنم العرش محفوفاً بأشبال على يمينك فهد في غطارفه من شم آل سعود ذروة الآل أما شعر الشاعر في الحكمة وفي الغزل وفي العروبة، وفي مختلف جوانب الفكر والحياة فهو في جملته شعر أصيل عذب يفيض رقة وعذوبة وجمالا واجلالا لأن صاحبه كان شاعرا وعاش شاعراً وغنى بالشعر كل آماله وأحلامه في الحياة. ولا ننسى قصائده في ثورة الجزائر وفي فلسطين وفي كل الأحداث في المملكة المغربية وفي مصر، وفي لبنان، وفي الأردن، وفي سائر الوطن العربي الكبير. كما لا ننسى اخوانياته، ومراثيه لأصدقائه، وكل ما كان ينبض به قلبه من مشاعر وعواطف وأحلام وآلام. تحية للشاعر الكبير خيرالدين الزركلي، وتحية لشعره وشاعريته.. وتحية لديوانه من ابن من أبناء الجزيرة العربية ينوب عنها في تقديم واجب الوفاء لشاعر خدم بلادنا ونهضتنا وآزر كل تقدم وازدهار في وطننا الحبيب.