لقد تغيرت معالم الزمان والمكان وراح الكثير يلهث خلف مجاراة التطور والتقدم، يغرق فيها بنهم بدون تقدير لعواقب التي استبشرت وظهرت موجدة ذلك التباعد الإنساني الذي ظهر بشكل كبير في خضم ثورة الحضارة المدنية. فإذا كان الإنسان منذ الأزل وهو يميل إلى العيش في جماعة أو أفراد لكي يشعر بروح التعاون وتبادل المنافع في شؤون حياته يضاف إلى هذا مواجهة الشر في تكاتف مع الآخرين سواء دفعاً عن مدينة أو قرية أو قبيلة مرتحلة وهذا تجسد في زمن أجدادنا في بيوت الطين وتحديداً في قرنا القديمة فأوجدت ذلك الترابط والتلاحم العفوي في أبهج صورة فكانوا قريبين من بعضهم البعض متواصلين بين حين وآخر لا يتكلفون فأمور حياتهم كانت بسيطة فرضها أحياناً شظف العيش ولكن مع ذلك لم تكن توجد بينهم الانقطاع وعدم التواصل لقد كان التركيز منصباً على الاجتماع في أي مكان سواء تحت نخيل أو شجر أو في ساحة بيت من بيوت الطين بملابس الفلاحة يتجاذبون أطراف الحديث عن أحوالهم بشكل ينم عن مدى التآلف الذي يغمرهم بعيدو التفكير في الشكل والهيئة والمكان هذا هو الحال السائد في الماضي، أما في الحاضر فلقد تغير الواقع فالكثير الآن يميل نحو العزلة والوحدة المفروضة التي صنعتها المادة مكرسة الطبقية في أبشع صورها فلم يعد هناك إلا نظرة تقوم على ما تملك من الأمور المادية أما الجوانب الأخرى في شخصية الإنسان مثل الطيبة والمحبة والرحمة والعطف وحب الخير والمساعدة فإنها لن نقول انها اختفت ولكنها بدأت تضمحل وصارت المادة عنواناً لها فأصبحنا نغرق في المظاهر التي راحت تعصف بنا وتشدنا بشكل قوي نحو الانغماس فيها فأنت وما تملك من منزل أو سيارة وغيرها هي شروط الارتقاء أحياناً للدخول في علاقة مع جارك أو صديقك أو حتى قريبك، وأصبح المظهر هو السمة المميزة عند ذكر أي إنسان وهذه هي صفة من ينتمي إلى هذا العصر لقد بدأ الزمن الحاضر في سحق بعض الخصال الحسنة التي تنبع من مشاعرنا وصرنا نندفع وبشراهة في صراع نحو غريزة التملك والتي غيرت حتى من المفاهيم الدينية لدينا فعندما تسأل عن جارك الذي تجتمع به نقول يمكن ان يكون من نادر ان يحدث مطلقاً بسبب النظرة المنصبة إلى المستوى المعيشي أو انتمائه القبلي الذي لا يشجع على الاختلاط به أو زيارته وان حدث هذا الاجتماع فان هناك من يفسر الأمر على انه بحث عن مصلحة او طلب حاجة وحتى في القاء تحية السلام تجد انها محل استغراب ودهشة عندما تلقي عليه وخاصة عند المصافحة فترى البعض يذكرها لأهله أو أقاربه مبديا تعجبه من ذلك الرجل الذي صافحه فيفسرها أهله وينسبونها إلى وضعه المادي وقيمة مظهره أما على انها من صفات المسلم فيبقى ذلك مجرد قول محفوظ في العقل يغيب عن التطبيق تحت رحمة المظهر ونحن لا نطلق صفة التعميم ولكن هذا هو المشاهد والملاحظ. فنقول وداعا يا جيل بيوت الطين الذين سطروا لنا حكايات مليئة بالكفاح والكد وصورة التآزر والتآخي والتعاون الذي سوف يبقى راسخاً في الذاكرة مع الزمن نحاول ان نجعله عزاءنا على عصرنا الحاضر الذي جرد بعضنا من داخله ووجه نحو الاهتمام بالشكليات والمظاهر الكاذبة التي صارت تزحف علينا مع الوقت لكي تقضي على المعاني الإنسانية لدينا.