هاجس الذكرى بعمومها ترافق كل شخص منا ولعل من أبرزها وأثبتها في الذاكرة ، ذكرى حياة الطفولة حيث خلوها من الهموم والمسؤوليات وقربها من الطهر والبراءة والعفوية . إن أحدنا يستعيدها أو تستعاد له ، بغض النظر عن كونها حزينة أو مفرحة، مليئة بالقسوة والتعب والشقاء أو أنها مرت بسعادة وهدوء، لكنها في النهاية مضت وتركت بصمتها وصورها تستعاد ملامحها بين يوم وآخر وذلك لبراءتها وعفوية كل المجريات فيها. حياة الأمس إذن هي وقودنا في حالة التذكر، فمنها نستمد بعضاً من سعادتنا فهي رصيد يرافقنا، يستيقظ كلما مرت مناسبته ، وتتداعى صوره بمجرد رؤيتنا لملامحه، ممثلة في كل مكان كان للطفولة نصيب فيه، وفي كل ملامح تذكرنا به وفي بيوت الطين وجدران القرية ورائحة التراب بعد المطر والطين في الطرقات. إنها الملف الذي نقلب صفحاته في لحظات الفراغ ولحظات الالتفات نحو الأمس، وكم تشدنا عناوينه وتوقفنا الأطلال وأماكن كنا يوما من الأيام نعيش فيها باقية في مخيلتنا لا تمحوها الأيام ولم يؤثر فيها الزمن ، بل يزيدها نصاعة ووضوحاً كلما كانت أكثر قدماً وكلما اشتقنا لأن نراها في أحلامنا.. وفي شعورنا وإحساسنا ونحن نعود للذكرى لا نستطيع أن نقول إنها مؤلمة ولا مفرحة ولا أنها حقبة منسية ولكنها تخالط قلوبنا بكل تأثيراتها مؤكدة لنا أنها فترة سكنت قلوبنا كذكرى ومن المستحيل أن تعود حقيقتها، فعقارب الزمن غير قابلة للعودة ، وهذا سر تحسرنا عندما نتذكر أيام الطفولة والحياة البسيطة ذات المكونات السهلة غير المعقدة ، تلك الحياة التي ألفناها وتشربتها نفوسنا حتى صارت جزءاً منا وبقي الحنين إليها يعود إلى قلوبنا يعتصرها . ولعل الشاعر عبد العزيز السبيعي يعود بنا لحياة الأمس في ذكرى جميلة ضمن أبيات قصيدته التي ملأها صورا لماضٍ بقي كشبح تؤلم نظرته تفرح ذكرياته تشتاق له نظراتنا لكنه قد سلبت روحه وبقي أطلالا تحكي قصة أغلق غلافها وتكاملت فصولها يقول فيها: ناصر الحميضي على ذكرى الزمان اللي مضى لي هل دمع العين تذكرت السنين الأوله والدمع همالي تلج بداخلي ذكرى ربوعي والزمان الزين وقتن فات يوم إني من هموم الزمن خالي يورى في عيوني مجلس الشايب وبيت الطين مداهيل الرجال اللي لهم بالطيب منزالي مجالسهم مجالس للشجاعة والوفا والدين تنومس راعي الطاله ويلقى حيل وادلالي ماهي مثل المجالس ذا الزمان اللي قبوله شين ماغير السالفه وسط السياسة واسهم المالي انا وقفت بأطلال البلد وقفة غريم الدين علامات الحزن فوق الديار وصرت مهتالي أسولف مع هجوسي وانشد الخاطر بحين وحين زمان أول لحقته صدق والا هو يورى لي اخذت بسجتي ساعه بعد مافقت مدري وين زواني هم قلبي عقب جيت الدار بلحالي غدت عيد النخل صرعا وطاح السور والبرجين تصدع وانهدم جنبه وزرنوق اللزا مالي ولا باقي سوا السدرة ولاثله تبكي الماضين وجنب البركه الرستم حديد مصدي بالي تكلم عن زمانن راح يوم المد عن عشرين تريد ابها الثنا مادورت به قرش وريالي زمانن راح ما يمكن يعود وطق فيه البين ولا باقي سوى الذكرى ولو هي نقصت حالي نشدت الدار عن ربعن حموها فالقسى واللين أبي منها الجواب اللي عرفته قبل يعطى لي الا يادار وين اهل الكرم واللابة الوافين صورهم في عيوني وين ما وجهت تبرى لي وانا عرف الجواب وبس أسلي خاطي تكفين أبي منك المواسى لا تحديني على الصالي وداوي جرحي اللي وسط جوفي فوق عشر سنين على فقد النشامى كل غالي يتبعه غالي بكيناهم بدمع حرق الجفنين والخدين ولو كان البكا مارد لي عمي ولا خالي بكيناهم وحنا ندري إنا عقبهم ماشين ترا دنيا الفنا ميقاف منزال وترحالي تروح أيامنا عجله وحنا مثلها عجلين ولا ندري متى وقت الرحيل وحد الآجالي