كنت ضمن عدد من المثقفين والأدباء الذين تشرفوا بدعوة كريمة من سمو وزير الثقافة، في لقاء لم يخلُ من الوضوح والشفافية، فلم يكن لقاءً رسميًا كالعادة، حتى وإن بثته وسائل الإعلام، بل كان لقاءً حميمًا وصادقًا، مع أنني تخيلت وأنا في الطريق إلى الوزارة أن الوزير الشاب - كعادة الوزراء والمسؤولين - سيستحوذ على زمام الحديث، ويلقي علينا محاضرة طويلة عن أحلام وطموحات الوزارة، والصعوبات التي تواجهها، أو ما حققته من إنجازات... إلخ، لكن المفاجأة أنه استقبلنا ببشاشة في قصر نجدي تراثي، تنساب من أبواب غرفه المفتوحة الأنفاس والحكايات العتيقة، وترتفع مع أعمدته الجبسية العالية أحلامنا وطموحاتنا. ما إن جلس الوزير حتى تناول قلمًا ودفتر ملاحظات على الطاولة أمامه، مؤكدًا أنه وجَّه الدعوة لنا كي يسمع ويدوِّن، لا ليتكلم، وبدأ يمنح وقتًا كافيًا للجميع، وينصت ويدوِّن باهتمام ملاحظات الزملاء من الأدباء والمثقفين، إلى درجة أن البعض منهم يخرج عن همومنا كمثقفين وأدباء، وينساق خلف التنظير، دون أن يسأم أو يقاطع أحدًا. أكاد أجزم أن ما طرحه الزملاء كان متناغما وكما لو كانوا رتبوا موضوعاتهم، من هيئة عامة للكتاب، ورابطة أو اتحاد للكتاب السعوديين، وإيجاد تسهيلات للقطاع الخاص المستثمر في قطاع الثقافة، ومنح المبدعين إجازة تفرغ لإنجاز عمل أدبي أسوة ببعض الدول، واستثمار البعد التاريخي الثقافي للمكان كبيت الأعشى في منفوحة، وتأسيس متحف للفن التشكيلي السعودي المعاصر، ودعم السينما النخبوية أو غير التجارية، وتوحيد نشاط الأندية الأدبية وجمعيات الثقافة والفنون والمكتبات تحت مسميات مراكز ثقافية، وتأسيس جوائز أدبية وثقافية في المملكة من بينها إعادة جائزة الدولة التقديرية، وغيرها من الموضوعات الثقافية المهمة التي يجب العمل عليها بكل إخلاص وأمانة في وطن أفرد للأدب والثقافة مادة في نظام الحكم الأساسي، مضمونها أن الدولة ترعى العلوم والآداب والثقافة، وتُعنى بتشجع البحث العلمي، وتصون التراث الإسلامي والعربي، وتُسهِم في الحضارة العربية والإسلامية والإنسانية. كل ما نتمناه لهذا الوزير الشاب، أن يعمل مدعومًا بكل الممكنات التي تجعل هذه الأحلام واقعًا، وبفريق عمل وطني مخلص، يؤمن بقيمة الثقافة ودورها في المجتمع.