ينعقد مساء غد (الإثنين) حفل افتتاح الملتقى الثاني للمثقفين السعوديين الذي تلقيت مثل كثيرين دعوة موجهة من وزارة الثقافة لحضوره أشكر الوزارة لتوجيهها، وأود بهذه المناسبة أن أعبر عن عظيم تقديري لوزير الثقافة والإعلام ممثلة بوزيرها الدكتور عبدالعزيز خوجه الذي لم يستطع المنتمون إلى هذا الحقل إلا أن يجمعوا على تقديره واحترامه. ومع أن الدعوة التي تلقيتها كانت لحضور حفل الافتتاح، وليس للانضمام إلى جلسات الملتقى، فإني أود من خلال هذه المقالة أن أتيح لنفسي فرصة التعبير عن بعض الملاحظات والأمنيات حول ملتقى أحسبه يعنيني شخصياً مثلما يعني مئات الزملاء والزميلات ممن دعوا للمشاركة أو لمجرد الحضور مثلي أو ممن لم يدعوا البتة. وأظن أنني معني بهذا الملتقى بشكل خاص لسبب بسيط، هو أنني كنت عضواً في الهيئة الاستشارية في تشكيلتها الأولى حين انعقد الملتقى الأول، فالأمر يعنيني بشكل خاص، لأن مشاركتي في الهيئة التي نظّمت اللقاء الأول جعلتني جزءاً من تاريخ وزارة الثقافة نفسها، حين أنشئت وحين تشكلت هيئتها الأولى ووضعت خططاً كثيرة أو استراتيجيات كما هو التعبير السائد، لكن الأهم من ذلك هو أنني مثل كثير من الزملاء والزميلات محسوب على المشهد الثقافي السعودي بغض النظر عن حجم أو مستوى المساهمة في صياغته. ما أود قوله هو أن المؤتمر حدث ثقافي مهم، وينبغي أن يحظى باهتمامنا جميعاً، وتشكر وزارة الثقافة والإعلام على عقده ثانية، فهو حدث مهم لأسباب عدة، يكفي أن من بينها أنه يجمع المشتغلين في حقل الثقافة، وأنه يأتي في أعقاب أحداث جسام تمثلت في انتخابات الأندية الأدبية وما صاحبها من نتائج وضجيج. ومع أن تلك النتائج ستسيطر على أجواء الملتقى، فإني أتمنى ألا يحدث ذلك لينصرف المجتمعون لمناقشة مستقبل المشهد الثقافي وليس الوقوف على أطلاله. ملاحظاتي على الملتقى تتلخص في ما يلي: أولاً: تسمية الملتقى بملتقى المثقفين ينطوي على تضييق إن لم أقل قصوراً في توظيف دلالات الثقافة. معظم المشاركين سيأتون كما هي العادة من حقول الأدب والفنون إنتاجاً ودراسة، أي من الأدباء والنقاد، وذلك على حساب العلوم الإنسانية من تاريخ واجتماع ودراسات إعلامية وآثار وغيرها، كما على حساب المشتغلين في حقول الثقافة الشعبية وهي جزء أساس من حقول الثقافة. ولعل السبب في وصف الملتقى بملتقى المثقفين، على ما فيه من تضييق، يعود إلى السعي إلى تفادي الالتباس بمؤتمر الأدباء السعوديين، أولئك أدباء وهؤلاء مثقفون مع أن الوجوه لن تختلف كثيراً! البديل الأفضل في تقديري أن يسمى «ملتقى الثقافة» لكي يحضره المشتغلون في حقل الثقافة وليس فقط من نسميهم «مثقفين» بغض النظر عن دقة أو مدى انطباق الاسم أو الصفة. ثانياً: ما هي النتائج الملموسة التي تمخّضت عن الملتقى الأول لكي يتحمس للثاني من سيشارك فيه؟ الدكتور ناصر الحجيلان وكيل وزارة الثقافة والإعلام للشؤون الثقافية، تحدث مؤخراً عن الملتقى بوصفه مناسبة أو منبراً يمكن من خلاله صياغة استراتيجية للثقافة، وأنا اتفق معه في التأكيد على أهمية صياغة الاستراتيجيات وأن العمل الثقافي يعتمد عليها، لكني لا أرى الملتقى المكان الأنسب لتلك الصياغة. ذلك أن الملتقيات ليس بمقدورها أن تتجاوز حدود التوصيات، وأظن المجتمعين سيأتون وفي ذاكرتهم مئات التوصيات السابقة التي ما تزال في أدراج مسؤولي الوزارة وأمانة الهيئة الاستشارية دون تنفيذ. لقد شبع الجميع من التوصيات، لا سيما ما يستعصي منها على التنفيذ. هنا سينطرح سؤال أحسبه سئم من كثرة الطرح: هل الملتقى هو لمجرد إلقاء الخطب والأوراق البحثية؟ أم أنه فرصة للتعارف ومناقشة الوضع الثقافي نقداً وتحليلاً؟ فهو بالتأكيد ليس لتنفيذ شيء أو حتى لوضع خطط عملية ستتهيأ الوزارة لتنفيذها. إن وضع الاستراتيجيات الثقافية والانطلاق بها نحو التنفيذ ليس مكانه ملتقى أدباء ونقاد يحضره الإعلام وكاميرات التصوير وتحفه المشالح، وإنما هو شيء يمكن أن نسميه مجلساً وطنياً أو أعلى للثقافة، مجلساً يضع الاستراتيجيات ثم لا يكتفي بذلك وإنما يعمد إلى تنفيذها بمقتضى الصلاحيات التي تمنح له. والمجلس المشار إليه وبغض النظر عن اسمه لا تقوم مقامه وكالة الوزارة للشؤون الثقافية التي تعد جهة إشرافية وتنفيذية فحسب، المجلس الأعلى أو الوطني للثقافة مصنع أفكار وخطط وبرامج ومعمل لإنتاج المؤتمرات والمحاضرات والكتب والمعارض والمناسبات الثقافية، وعمله قد يتقاطع مع عمل الأندية الأدبية لكنه أشمل منها في نظرته الشمولية للوطن ككل وليس لجزء أو إقليم منه. كما أنه مجلس لا تحل محله هيئة إشرافية مهمتها وضع تصورات وخطط ليست ملزمة لأحد. وهو قبل ذلك وبعده مجلس يضم عدداً من المشتغلين في حقل الثقافة من ذوي الخبرة ومن المبدعين، يوضع له نظام لا يسمح باستمرار العاملين فيه إلى ما لا نهاية، وإنما يركز على تداول المهام وتغير الوجوه وتجدد الدماء. في الوضع الحالي تحاول وزارة الثقافة مشكورة من خلال الهيئة الاستشارية فيها أن تستفيد من ملتقى المثقفين -كما يسمى- ليقترح وينظّر، وهذا تم في المرة الأولى ويمكن أن يتم بل سيتم حتماً في الثانية، لكن تلك المقترحات تظل تصطدم بعقبة الجهاز التنفيذي المتواضع الإمكانيات كما اكتشف الصديق الدكتور عبدالعزيز السبيل من قبل، وأعاد الاكتشاف الصديق الدكتور ناصر الحجيلان من بعده. لهذا تبدو الحاجة ماسة للمجلس الأعلى المشار إليه على أن يعمل بقدر من الاستقلالية المالية والإدارية المتاحة للأندية الأدبية على الأقل، كما هو الحال في دول عربية شقيقة مثل مصر والكويت، وإن تطلب الأمر فلا مانع أن يحل المجلس الأعلى محل الجزء الثقافي من وزارة الثقافة والإعلام. بل إن تطلب الأمر لا مانع في تصوري من أن يكون المجلس كياناً مستقلاً عن وزارة فوجئت بعبء الثقافة منذ سنوات، وما تزال تسعى للتوفيق بينها وبين متطلبات الإعلام الذي كان وما يزال هو الأصل وصاحب الدار. هل أزيد وأقول لا مانع أن يكون المجلس الأعلى وزارة مستقلة للثقافة؟ الاسم لا يهم، بل المهم هو الإمكانات البشرية والتكوين المالي والإداري الذي يسمح بالإنجاز. المهم هو الإنجاز.