عرف مالكوم واترز مؤلف كتاب العولمة بأنها «كل المستجدات والتطورات التي تسعى بقصد أو بدون قصد إلى دمج سكان العالم في مجتمع عالمي واحد»، ورغم أن الكثير يعتبرون بداية العولمة جاءت بعد الحرب العالمية الثانية أي قبل حوالي 70 عاماً، حيث تم إنشاء مؤسسات دولية للإشراف على العولمة، وذلك في مؤتمر بريتون وودز عام 1944م، وتم وضع إطار للتجارة والتمويل الدولي من قبل قادة 44 دولة حضروا المؤتمر، إلا أن بعض المؤرخين يقسمون العولمة لثلاث مراحل بدأت الأولى في القرون الوسطى وكانت عولمة الدول، ثم جاءت المرحلة الثانية وهي عولمة الشركات منذ العام 1800 م، وأخيراً عولمة الأفراد التي بدأت منذ 18 عاماً. لكن رغم كل الإيجابيات التي تم تسويقها عن العولمة إلا أن الدول التي سوقت لها وعلى رأسها أمريكا بدأت تهاجمها وتعتبرها خطراً عليها فالعولة توسعت بالشق الاقتصادي بشكل أساسي في العقود الأخيرة لكنها أعطت الفرصة لهيمنة الاقتصادات الكبرى عالمياً لكن المفارقة هي أن تشتكي منها أكبر دولة اقتصادياً بالعالم وهي أميركا، حيث تدور حالياً رحى حرب تجارية بينها وبين أكبر شركائها التجاريين الصين وأوروبا وكندا، فقد تم فرض رسوم على كثير من صادراتهم لأميركا آخرها فرض رسوم على سلع صينية يقدر حجمها بنحو 200 مليار دولار، فالرئيس الأمريكي ترمب أعلنها صراحة أنه ضد العولمة ويعتبرها خطراً على بلاده مع تفاقم العجز التجاري ليقارب تريليون دولار سنوياً أكثر من 45 في المائة منه مع الصين، وكان آخر هجوم له على العولمة قبل أيام في خطابه على منبر الأممالمتحدة، حيث طالب بأن تكون سيادة الدولة فوق حوكمة العولمة. إن توجه أميركا لخلع عباءة العولمة والتهديد علناً بالانسحاب من منظمة التجارة العالمية يعد تحولاً خطيراً في نسق التجارة العالمية وعلاقة الدول ببعضها التي تشكلت على مر العقود السبعة الماضية، مما يشير إلى أن صراعاً اقتصادياً قد بدأ يأخذ منحى المواجهة، وأن ذلك سينعكس بالتأكيد على باقي أوجه العلاقة الدولية ودور المؤسسات الدولية بأنواعها كافة التي ستواجه خطر انسحاب الدول منها وتقويضها، مما يؤدي إلى فوضى دولية وحروب عسكرية مدمرة بنهاية المطاف. النظام العالمي بات كله في خطر ما لم يعاد صياغته من جديد بمؤسساته كافة، خصوصاً الاقتصادية كمنظمة التجارة العالمية والبنك الدولي وصندوق النقد وغيرها لتحقيق العدالة بين الدول في تعاملاتها كافة دون أضرار بسيادتها وتأثير على استقرارها، فإذا كانت أميركا الدولة الأقوى والأكبر بالعالم اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً تشتكي من العولمة، فماذا حل بالدول محدودة الإمكانات والفقيرة، أليس ما تشهده من عدم استقرار وارتفاع بالبطالة وزيادة بالواردات ما هو الإنتاج العولمة التي أصبحت معول هدم للاستقرار الدولي بدلاً من كونها كفكرة كانت تهدف إلى توحيد العالم وفتح الأسواق ونقل التكنولوجيا والتقدم العلمي لكل الدول والمساهمة في تقليل الحروب عبر تكاتف الدول أمنياً وسياسياً وعسكرياً والأهم اقتصادياً لكن سوء تطبيقها جعلها في «مهب الريح».