أستعيد ملفا قديما كتبت فيه إحدى العبارات المؤثرة لبورخيس تقول: (إننا بحاجة إلى الخيال كي نواجه تلك الفظاعات التي تفرضها علينا الأشياء). سائلة: هل هذا أحد أدوار الخيال الحقيقية ؟ وماهي الأدوار الأخرى للخيال ؟ أعتقد أن الخيال أشبه بقارب نجاة، وربما يغرقنا خيالنا في تضخيم بعض الكوارث كما يفعل الإعلام حين يسطو على الحقائق ويشوهها على غير ما هي عليه في واقعها وحسب أحداثها، هل هو الخيال أم المتاجرة به هي المشكلة. إنني ممن يعشق الخيال الفطري المؤدي إلى الجمال ولا يضر بل ينفع كما قال بورخيس في تحمل الفظاعات التي نسمع عنها ونرى ونقرأ في وسائل الإعلام بشكل عام. إننا في حاجة إلى نشر ثقافة الخيال الممتع والمفيد، الخيال الذي يبني أخلاقيات رفيعة نبيلة لذلك أعد نفسي من عاشقات تلك المواقع والقنوات الوثائقية التي تنقل لي مشاهد الطبيعة مثل ناشيونال جيوغرافيك وماشابهها من قنوات، فهي التي تبعث فينا الشعور بالحياة المطمئنة الهادئة وتعطينا زخما من النظرة الإيجابية لكون يخلو من أسلحة الدمار الشامل والدروع البشرية المرعبة التي أضحت تتسلط حتى على الأحلام، والقيم والحكايات اليومية، وشغلت ألعاب الأطفال فضخمت من مشاعر العنف والكراهية في دواخلهم. لمشهد ماء يجري في كل مكان وعشب متناثر وطبيعة خلابة أجدى ألف مرة من مشاهد الدماء والدهس اليومي الذي لايحتمل. ولمار كوري قول (خلال حياتي كلها، تجعلني المشاهد الجديدة في الطبيعة أبتهج كطفلة) فلماذا نبخل على نفوسنا باستعادة تلك البهجة المفقودة ونحن نتراكض على تلك القنوات الفضائية الوحشية التي تشوهنا بالواقع المزيف وتقتل إنسانيتنا يوميا أكثر من مرة، لابد من تخصيص بعض الوقت لاستعادة تلك السكينة والهدوء بعيدا عن نشرات الأخبار ونطوي شاشاتها متجهين إلى البرامج التي تنمي مشاعرنا وأحاسيسنا الراقية لتتحقق لنا السكينة ونتحرر من القلق السلبي الذي أضحى يأكل سلوكنا تعاملاتنا الحسنة حتى مع أقرب الناس إلينا.