كثيراً ما نظنُّ أننا وصلنا إلى آخر الطريق، فيتراءى لنا أنه لا يبدو أن هنالك ثمة أمل يلوح في الأفق، وأنَّ بصيصَ أملٍ برؤية نور في نهاية النفق، هو محض افتراء وكذبة كبرى، نَسَجها يائسون ومحبطون، أو كَذَبةٌ ماهرون، ليروِّحوا عن أنفسهم، أو ليقللوا من خسائرهم المعنوية، وخسائر فقدهم ثقة من كانوا حولهم أو صدَّقوهم وآمنوا بأمانيهم ووعودهم. الحياة بالتأكيد، ليست رحلة ترفيهية مليئة بالمفاجآت السارة، ننفق فيها بسخاء وبلا تدبر أو حساب، نحطُّ رحالنا خلال التجوال فيها بعواصم ووجهات سياحية عالمية أينما ووقتما شئنا. هي أيضاً ليست رحلة «سفاري» نستكشف فيها خبايا المجهول بذات موهبة مصوِّري «ناشيونال جيوغرافيك» وهم يستكشفون أدق أسرار الطبيعة. الحياة دون شك، تكتنز كثيراً من المفاجآت المحزنة وغير السارة، والذكريات الأليمة، والدروس القاسية، التي ندفع ثمنها باهظاً من عرقنا وتعبنا وصحتنا وأموالنا وأعصابنا ومشاعرنا وعواطفنا. لكننا هنا أمام تحدٍّ لا بديل عن مواجهته، وهو كيف نصنع من الأنقاض والركام والحطام، سُلَّماً للنجاح بغية الصعود إلى القمة، هل نستسلم لتلك الخضَّات التي ألمَّتْ بنا وأوجعتنا وأنهكتنا وأبكتنا ذات لحظة انكسار، أم نبادر إلى لملمة شعثنا وبقايا دواخلنا التي تآكلت وتكسرت وتشظَّت كما مرآة سقطت على الأرض؟. بعضنا يختار التحدي، ويرفض الهزيمة، فيؤكد أنه جدير بحقه في الفرح والاستمتاع بما تبقى له من عمر، بينما بعضنا الآخر مع الأسف يجعل من نفسه حبيساً لفكرة أن المرآة تشظَّت وتكسرت وأصبحت عاجزة، مشوهة ومعوقة، لا تقدر على عكس خيال من ينظر إليها بصورة جميلة جذابة تشعره بفرط أناقته وطلَّته البهيَّة. «لا يأس مع الحياة»، و«ما لا يقتلني يقوِّيني»، و«غداً لا بدَّ أن يكون أجمل».. هي الشعارات التي يجب علينا جميعاً أن نرفعها في مسيرنا فوق التلال والقمم، وبمحاذاة الضفاف والوديان، وتحت الغابات الممطرة، وأثناء عبور المستنقعات الموحِلة التي تعترض دروبنا وهي تعجُّ بالتماسيح الجائعة المفترسة، خلال بحثنا عن ذاتنا في دروب المجهول وطرق الحياة الوعرة، لصناعة أعظم قصص التفرد والنجاح. أصحاب الإرادة والمصرون على تحدي الهزيمة، هم من يصنعون المعجزات، وهم وحدهم من يقهرون المستحيل، أما أولئك الذين آمنوا بانكسار المرآة بداخلهم، وأنها تشظت ولم تعد قادرة على عكس الظل الجميل لصورة من يقف في مواجهتها، فهم من تقبلوا الخسارة دون مقاومة، وهم من يعتقدون بأن لا ثمة أمل يلوح في الأفق.