انتقل إلى رحمة الله تعالى الدكتور إبراهيم الزيد - رحمه الله - وذلك في مساء يوم الثلاثاء بعد صلاة العشاء في جدة عن عمر ناهز سبعة عقود. وقد كان - رحمه الله - رجلاً بعقله وسلوكه منذ أن كان في المدرسة الخالدية الابتدائية بمكةالمكرمة، والأسرة تسكن بجوار جبل الكعبة. وقد التحق بالصف الثالث الابتدائي بعد أن أُجري له اختبار مستوى؛ فاختصر بذلك سنتين من عمره الدراسي؛ فتخرج منها بعد أربع سنوات، وألحقه والدنا - رحمه الله - بدار التوحيد التي أُسست حديثًا بالطائف، وكان القبول بها يأتي مركزيًّا بإدارة المعارف العمومية بمكةالمكرمة. وكان والدي - رحمه الله - يعمل قبل تخرجه بإمارة المدينةالمنورة لمدة عشر سنوات، انتقل بعدها إلى مكةالمكرمة حتى وفاته - رحمه الله -. وأخذ والدي ابنه الصغير إلى مدير المعارف العمومي الشيخ محمد بن مانع - رحمهم الله جميعًا - مسلحًا بشهادة المدرسة الابتدائية، وكانت هذه الشهادة ذات شأن في ذلك الوقت؛ فرحب الشيخ محمد بوالدي ترحيب الفرح بالمتخرج الجديد، فقال له إن مكان الابن إبراهيم هو البعثات في مصر، فأبى والدي، وقال بل إلى دار التوحيد بالطائف. وتجادل الرجلان جدالاً لا تنقصه الحدة. وخرج والدي مغاضبًا بدون نتيجة، ثم عاد في اليوم التالي ولقي النتيجة نفسها! وعاد في اليوم الثالث، ووجد الشيخ قد لان، ودفع إليه برقعة صغيرة مكتوبة بقلم (البنسل)، تحمل أمرًا لبريد مكةالمكرمة بنقله إلى الطائف على حساب المعارف، وكانت هذه أحسن وسيلة نقل حكومية داخلية في ذلك الوقت.. والطرق غير مهيأة ولا معبدة. وهناك استقبله الشيخ عبدالمالك الطرابلسي مدير الدار - رحمه الله - الذي أصبح صديقًا له فيما بعد حتى تعيين الشيخ أمينًا عامًّا لمكتبة الحرم الشريف؛ إذ كان يزوره كل يوم من شدة شغفه بالقراءة. وكانت تتجمع له مكتبة كبيرة لكثرة ما يشتري من الكتب إلى درجة أنه كان يحتجز سلفًا نسخة من كل كتاب جديد تجلبه مكتبة الثقافة بمكةالمكرمة من غير أن يدفع الثمن قبل وصول الكتاب. وصار يكتب وهو في الصف الأول المتوسط مقالة كل أسبوع، تملأ صفحة كاملة، يكتب عليها الشيخ السباعي - رحمه الله - عندما يتلقاها منه رقم (3)، أي أن الصفحة الثالثة تحجز للشاب الصغير إبراهيم الزيد. وكانت دار التوحيد تعقد ناديًا ثقافيًّا في كل أسبوع، يشرفه الشيخ عبدالعزيز بن معمر - رحمه الله - أمير الطائف وأعيان البلدة وأساتذة الدار، وكان يلقفيه قصيدة كل أسبوع. وفي يوم من الأيام اعتلى منبر المدرسة، وألقى قصيدة، قال منها: فلما فرغ من قصيدته قام أستاذه الشاعر مصطفى عليوة إلى المنبر، وقال: "ما كنت أظن أن الشعر العربي لا يزال حيًّا في جزيرة العرب حتى استمعت إلى قصيدة ابننا إبراهيم". وجلس. (يروي معالي الشيخ فهد بن معمر محافظ الطائف أن والده أمير الطائف الشيخ عبدالعزيز بن معمر - رحمه الله - ما كان يجلس إليه مباشرة إلا من يريد من أهل الشأن، لكن الشاب الصغير الشاعر إبراهيم الزيد طالما رأيته يجلس إليه مباشرة، وكنت أستغرب ذلك إعجابًا). وكان يفعل الفعل ذاته مع الأميرين الشاعر محمد السديري وخالد السديري - رحمهما الله جميعًا -. والدكتور إبراهيم تربوي بارز في منطقة الطائف التعليمية، ورئيس لرعاية الشباب فيها، وعضو مؤسس لنادي الطائف الثقافي الأدبي، وقد شارك في الكتابة الأدبية في العديد من الصحف والمجلات السعودية. انتقل من العمل في وزارة المعارف إلى رئاسة ديوان إمارة عسير، وعمل برعاية أميرها الأمير الجليل خالد الفيصل سنوات ليست بالقليلة، وقال خلال تلك الفترة قصائد عديدة، يتغنى فيها بجمال أبها وأهلها. ثم انتقل لإمارة منطقة الباحة وكيلاً لأميرها الكريم الشيخ إبراهيم البراهيم - رحمه الله -، وعندما انتقل إلى رحمة الله كُلّف بإمارة منطقة الباحة بالإنابة لمدة تقرب من سنتين. ثم رغب في الانتقال إلى جامعة الملك عبدالعزيز أستاذًا في تخصص التاريخ حتى تقاعده. وظل في جدة حتى وفاته - رحمه الله -. وقد نشر كثيرًا من القصائد في مختلف القضايا والموضوعات، منها قصيدة الشفاه السود متحدثًا عن العنصرية في روديسيا قبل استقلالها، وعندما نشرت علق عليها الأستاذ محمد حسين زيدان تعليقًا رائعًا، يليق بالفكرة. ونشر كذلك قصيدته التي يتغنى فيها بالوطن التي يقول في بعضها: (ما في التغني بحب الدار من باسي) وحقق كتاب الأنساب للشيخ عبدالرحمن بن حمد بن زيد - رحمه الله - تحقيقًا، زاد كماله ومرجعيته العلمية. وحقق كتاب بهجة المهج عن الطائف، وكتب كتاب المضايفي الزعيم القبلي الطائفي المعروف، وكتب كتاب ابن سحمان المؤرخ السعودي المعروف، وحقق كتاب المنصوري المعروف في غامد، وكتب وحقق غير ذلك من الكتب ذات الشأن التاريخي والثقافي والأدبي. وله مجموعة من الدواوين المطبوعة، تحوي جل شعره. ألهمنا الله فيه الصبر والسلوان. وإنا لله وإنا إليه راجعون. والله المستعان. وبالمناسبة، هذه بعض أبيات في سيرته - رحمه الله -: