أشرت في المقالة السابقة إلى ارتباط النظام العروضي للغة ما بنظامها اللغوي وبنية الأصوات فيها, كما أشرت إلى اللبس والخلط بين المصطلحات والمفاهيم العروضية. وأتوقف في هذه المقالة اليوم لأعرض هذه الدراسة عن مصطلح (الأرجل) العروضي, وأتتبع بدايات ظهوره لدى العرب قديمًا, وكيف استعملوه؟ وماذا يعني عندهم؟ ثم سأتتبعه عند النقاد والدارسين العرب المحدثين, وأبيّن لماذا يستخدم بعضهم مصطلح (رجل)؟ ولماذا بعض آخر يستخدم مصطلح (قدم) عوضًا عن (رجل)؟ ثم أتوقف لأتبين من أين جاءت الكلمة؟ وفي أي الدلالات الإغريقية القديمة تتوغل؟ ومتى أخذت بعدها الاصطلاحي عند العرب؟ سأبدأ أولاً بالقول إن تتبع بدايات استعمال العرب القدامى لهذا المصطلح كان مضنيًا؛ فقد وجدت أولاً إشارات إلى ثقافة البيروني ومعرفته الجيدة بالأدب اليوناني, وظننت في البداية أن البيروني (المتوفى سنة 440ه) أول من أشار إلى مصطلح (رجل). ولكني وأنا أقرأ كتاب (علم التعمية واستخراج المعمى عند العرب) وجدت ضمن الكتاب الذي عني بتحقيق عدد من المخطوطات في هذا العلم للكندي المتوفى سنة 260ه رسالة في استخراج المعمى, وفيها يرد ضمن الطرق التي يعددها الكندي لفك التعمية، وفيها يقول: «فهذه الحيلة التي تستنبط بها الحروف المعماة شعرًا كانت أو غيره, وهي أن الأبيات تفصل بقوافيها إن كانت معماة، ثم يُعدّ ما في البيت من الحروف ويُعرضُ على [أرجل] جميع الأوزان, أعني [بالأرجل] التفاعيل في اللسان العربي». وقد وضعت كلمة أرجل بين قوسين معقوفين؛ لأني صوبتهما؛ فقد وردت في النص المحقق المطبوع هكذا (أرحل), وقد صوبتها إلى أرجل لقرائن علمية ستأتي لاحقًا. وقد راسلت بخصوصها محققي مخطوطات الكتاب, ووافقوني الرأي بأن ثمة تصحيفًا في هذا النص وفقًا لما سقته من أدلة. المهم هنا أن رسالة الكندي - كما اتضح لي - هي أول مصدر عربي قديم ترد فيه كلمة أرجل, وقد شرحها الكندي بقوله «أعني بالأرجل التفاعيل في اللسان العربي». ومن قول الكندي هذا يتضح أنها بهذا المعنى وافدة إلى الثقافة العربية؛ بدليل قوله إنها تقابل التفاعيل في اللسان العربي, ولكنه لم يشر إلى اليونانية كما سنرى في النص التالي. - د.فاطمة بنت عبدالله الوهيبي