كتبت مقالات عدة سابقة عن معضلة البطالة، وأنها تمثل رحم المشكلات الوطنية لدينا، وأن علاجها كفيل بالقضاء على معظم إن لم يكن كل المشكلات الاجتماعية والاقتصادية الأخرى. جوهر المشكلة هنا أن البطالة مرض متعد وليس لازماً، أي أن آثارها تتعدى محيط المشكلة ذاتها وتفضي إلى أمراض اجتماعية وسياسية واقتصادية وأمنية معقدة، تمثل فيها البطالة كرة الثلج التي كلما كبرت ازداد حجم وخطورة المعضلات الأخرى. وكأن البطالة رحم تنشأ وتترعرع فيه المشكلات الوطنية. وأشرت في أحد الطروحات إلى أن التحدي الأكبر والذي ربما أسهم في تأخر معالجة المعضلة يكمن في مفهومنا لماهية البطالة وكنهتها وأسبابها. والبطالة هنا لا تعني فقط العاطلين عن العمل بل تشمل كل من يعمل عملاً يتقاضى فيه مرتباً تحت خط الفقر أو يقل بشكل واضح عن القيمة التعويضية لما يمتلكه من مهارات وقدرات عملية.. فهو أيضاً يقع داخل دائرة البطالة. الأمر الذي يقودني إلى التأكيد على أننا إذا ما تمكنا من معالجة المشكلة استناداً لهذا المفهوم فإننا لسنا بحاجة إلى القلق في معالجة التحديات الاجتماعية والاقتصادية الأخرى، كالإسكان والتأمين الصحي وغيرهما. وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها الجهات المختصة التي لا أحد يشك في إخلاص القائمين عليها إلا أنها لا تصب في صلب الموضوع ولا تعالج المشكلة الحقيقية، والدليل على ذلك أن المعضلة مستمرة والتحدي يكبر ومخاطره تتزايد، والقادم أكبر.. والسبب - في نظري - يعود إلى وجود خطأ في المفهوم أفضى إلى خطأ في العلاج. فعلى سبيل المثال ركزت الجهات المختصة على توليد وظائف جديدة. وهذا عمل جيد، ولكن التركيز على سعودة الوظائف والأعمال المتوفرة حالياً أولى وأجدى. كيف نفسر التأخر في سعودة قطاع التجزئة الذي يضم على الأقل مليون وثمانمائة ألف وظيفة؟ أي أن ثلثها كاف لاستيعاب كافة العاطلين وننشغل بخلق فرص عمل جديدة.. وهو أشبه بمن يسكن في منزل تفيض فيه عدد الغرف عن حاجته ويبحث عن مسكن أكبر منه. أعتقد أنه حان الوقت لإعادة النظر في مفهومنا لأبعاد المشكلة والوقوف على أسبابها الفعلية قبل وضع الآليات لحلها، خصوصاً أن التحديات القادمة ستكون أكبر في ظل تزايد أعداد الداخلين الجدد. أولويتنا في معالجة البطالة يجب أن تنصب في نظري على: 1 - توطين الوظائف والأعمال الموجودة والمشغولة بغير السعوديين خاصة في قطاع التجزئة. 2 . القضاء على التستر. 3 - دعم المبادرين ومساعدتهم في تنفيذ مبادراتهم 4 - تعزيز مفهوم العمل الحر وتأصيل ثقافة التوجه إليه ومحبته والرغبة فيه لدى الشباب. وهذا لا يمنع من المضي في المسار الآخر (توليد وظائف جديدة) في الوقت ذاته. يبدو أن التحدي يتطلب أن نتحرك بشكل أكثر فاعلية نظراً لحساسية المعضلة وتبعات التأخر في معالجتها. والله الهادي إلى سواء السبيل،،،،،