لا أعتقد أن هناك مشكلة أو تحدياً وطنياً يُضاهي البطالة، فهي الرحم المولد لكافة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية، وهدر لأهم مورد وطني، وهي تمثّل الهمّ الأول للدولة بل ولمعظم دول العالم. وفي واقع الأمر فإن الدلائل والمؤشرات الإحصائية تؤكد تجذُّر المشكلة وصعوبة التحدي. وبداية، لعله من باب الإنصاف أن نقول بأن الجهات المختصة بذلت جهوداً مخلصة للحدّ من المعضلة وحققت نتائج إيجابية، إلا أن التحدي القادم وتزايد عدد الداخلين الجدد ربما يفوق الآليات المعمول بها حاليا، وبالتأكيد سوف تزداد المعضلة حدة في قادم الأيام بسبب كثرة الداخلين الجدد لسوق العمل أو ما يُعرف بلغة الاقتصاديين بزيادة العرض عن الطلب. في اعتقادي أن الأمر يتطلب الوقوف على نتائج البرامج التي تم طرحها لحل المعضلة بشكل موضوعي ومهني بعيداً عن العاطفة، والتعرف عما إذا كانت قد حققت النتائج المرغوبة، وعما كانت تتناسب مع التحديات المستقبلية، ومن ثم اتخاذ القرارات والتوجهات اللازمة وفقاً لما يتضح. والأهم من ذلك أن تكون لدى الأجهزة المختصة الشجاعة لتغييرها أو تعديلها إذا تطلب الأمر ذلك. السؤال المطروح هنا هو: ما مدى قدرة سوق العمل على استيعاب الباحثين عن العمل خلال الخمس سنوات القادمة؟.. وما مدى قدرة الأنظمة والآليات المعمول بها حالياً على توطين الوظائف وإيجاد فرص عمل للسعوديين والحد من البطالة.. نحن بحاجة إلى أرقام واقعية تعكس الصورة الفعلية لسوق العمل الحالي وللمستقبل القريب بعيداً عن النتائج الشكلية التي تصورها بعض الأرقام. اعتقد أن التحدي الأكبر هو تزايد عدد الداخلين الجدد من كافة المستويات التعليمية خلال السنوات القادمة، في الوقت الذي قد لا يساعدنا فيه سوق العمل على توليد فرص عمل جديدة بسبب الوضع الاقتصادي وتراجع عوائد النفط. هناك ما يقرب من مليون وستمائة ألف سعودي وسعودية على مقاعد الدراسة الجامعية حالياً مع تنامي أعدادهم بشكل كبير سنوياً، الأمر الذي يتطلب توليد وظائف مستدامة سنوياً لاستيعاب الداخلين الجدد من الجامعيين وغيرهم في القطاع الخاص في ظل تشبع القطاع العام. قلت إننا بحاجة إلى حلول عملية، وإلا كيف نُفسر ارتفاع نسبة البطالة في ظل وجود مليون و971 ألف ترخيص للمنشآت والمعارض والمحلات التجارية قادرة على خلق وظائف للسعوديين. قطاع التجزئة لوحده يضم أكثر من مليون وثمانمائة ألف فرصة عمل. فقط ثلث هذه الأعمال قادر على استيعاب الداخلين الجدد وإطفاء البطالة إذا ما تم سنّ الأنظمة والتشريعات والآليات الكفيلة بقصره على السعوديين وتحفيزهم للدخول فيه. نحن بحاجة أيضاً إلى التعرف على سوق العمل في قادم الأعوام في جانبي العرض والطلب بعيداً عن التنظير والدراسات النظرية التي لا تساعد على إيجاد حلول عملية لهذا الهمّ الوطني. لا بد من الوقوف على السعودة الوهمية وسعودة الوظائف الدنيا كسوق الخضار وغيره والبحث عن حلول تتناسب وتحديات المرحلة. حان الوقت للتفكير خارج الصندوق والبحث عن مبادرات عملية جادة وفاعلة لمعالجة هذا التحدي بشكل عملي.. فهو كما أسلفت الهم الوطني الرئيس ورحم المشاكل الاجتماعية. والله الهادي إلى سواء السبيل.