النفط سلعة إستراتيجية، تخضع أسعاره لعاملي العرض والطلب، والتوافق بين المنتجين والمستهلكين، وحجم الفائض في السوق، وعملياً هناك دورة سعرية للنفط، يصل فيها إلى الأعلى ثم يهبط، ما لم تؤثر عليه عوامل غير عادية كالحروب، وعدم الالتزام بالتفاهمات مع منظمة أوبك، كما أن صعود الأسعار يحتاج إلى جملة من العوامل المحركة، كالطلب العالمي والاستهلاك، وانضباط بعض المنتجين من خارج أوبك. هناك تطورات، ودورات اقتصادية عالمية تسهم في انخفاض، وارتفاع أسعار النفط، وعودته إلى الوضع الطبيعي، فغالبية دول العالم الصناعي، تعاني ركوداً اقتصادياً، بسبب تداعيات الحروب والأزمات الاقتصادية والسياسية العالمية، وخروج النفط الليبي مؤقتاً، والحصار الاقتصادي لإيران، والحرب في سورياوالعراق، والإرهاب وسيطرة داعش على جزء من نفط العراق. ونتيجة لتلك العوامل، فإن المؤشرات الاقتصادية تفيد بأن تحريك أسعار النفط، سيساهم في تحريك الاقتصاد العالمي، ومن المتوقع أن يصل سعر برميل النفط خلال الربع الأول من العام القادم 2016م إلى 40 دولاراً، ولذا سوف تواصل المملكة الحفاظ على حجم إنتاجها، والمحافظة على الحصص المقررة لها من أوبك. ما جرى من انهيارات في أسعار النفط يُعتبر غير مقبول، حيث أصبح انخفاض النفط مستمراً بشكل كبير ما دون الخمسين دولاراً، مما يعني انهياراً في الأسعار بسبب تزايد الإنتاج من النفط الصخري الأمريكي، وتباطؤ وركود نمو الاقتصاد العالمي، ومشاكل الحرب الإقليمية، والدولية وانخفاض استهلاك الصين، وارتفاع الدولار مقابل العملات الأخرى، والإفلاس الاقتصادي للعديد من الدول، والأزمات المالية المتلاحقة للعديد من شركات النفط العالمية. كما أن هناك أيضاً أعراضاً جانبية، ذات طبيعة سياسية، تمثَّلت في رفض روسيا وبعض الدول الأخرى المنتجة خارج أوبك خفض سقف إنتاجها النفطي، والتوافق مع أوبك، لكن رفضها وتعنتها، دفع بالدول المنتجة، لرفع سقف إنتاجها، لتغطية النقص الحاصل بسبب غياب النفط الإيراني، والليبي، حيث أصبح النفط سلاحاً قوياً للضغط على أي دولة لتحقيق التوازن في السوق. ما يهمنا هنا هو كيفية التعامل مع موضوع أسعار البترول المنخفضة إلى حد الانهيار نظراً لأن اقتصادنا مرتبط ارتباطاً عضوياً بعوائد النفط، وبالتالي فإن الدورة الاقتصادية التي نمر بها الآن في بداية نزولها مما يستوجب مراجعة الإستراتيجية الاقتصادية برمتها، ويجب أن ندرك الأمر بسرعة لتقليل الاعتماد على النفط وتنويع مصادر الدخل. التحديات عميقة، فالمطلوب من المشرفين على اقتصادنا تنويع مصادر الدخل الاقتصادي وتخفيف الاعتماد على النفط، حيث إن إيرادات النفط تشكّل90% من دخل المملكة، لذا يفترض تخفيض اعتمادنا على واردات النفط، وهذا أيضاً يحتاج إلى رؤية إستراتيجية تنفذ على مراحل بما يحول دون حدوث آثار سلبية لمثل هذه السياسات. كما أن الأزمات المالية والاقتصادية قد تجد حلولاً وقد تتغير أسعار النفط، لكننا نتحدث عن السنوات القادمة، وعن التخطيط الاقتصادي، والإستراتيجي للمستقبل، فأمن الدول واستقرارها بات يُؤسس على حجم اقتصادها الوطني المبني على الدراسات، والبحوث المستقبلية، واستقطاب الكفاءات الوطنية لإدارة اقتصادها، والعمل على تجاوز المخاطر والأزمات. الاقتصاد العالمي كان يمر بالانتعاش العام، ثم بدأ بمراحل الركود، والمتوقع أن يأتي بعد الركود انتعاش، وفي كل دول العالم المتقدم هناك مؤسسات للدراسات والبحوث الإستراتيجية، تقرأ وتحلل الأحداث الاقتصادية، والسياسية والاجتماعية للعام الجديد، وتضع الحلول والرؤية المستقبلية المحتملة للأعوام القادمة، هذه التنبؤات والتوقعات قد تكون ضمن تصور إستراتيجي مفيد للوطن والمواطن. لذا يُفترض من صنّاع القرار في بلادنا دعم الدراسات، والبحوث الإستراتيجية، والاقتصادية التي تؤدي إلى تنوع الاقتصاد السعودي، ورفده بدماء جديدة، وكفاءات وطنية مؤهلة قادرة على قراءة مستقبل اقتصادنا الوطني، وأسعار النفط المجهولة، والعمل على دعم وبناء رأس المال المنتج وبناء اقتصاد سعودي قوي ومتين مبني على الإنتاجية، مثل بيع النفط كمشتقات بدلاً من الخام ودعم التصنيع والزراعة، وبناء مدن صناعية حديثة تعتمد على الطاقة الشمسية، وإنشاء شركات عملاقة ذات تقنية ذكية.